“القوات اللبنانية”… “خالِف تُعرف”!

راما الجراح

وكأنّ سمير جعجع يعيش على كوكبٍ آخر، لا يدرك ما يحصل حوله أو أنه لا يريد أن يرى الأمور إلا من منظاره الخاص. نراه متقلّباً بمواقفه كلما هبّت نسائم تشكيل للحكومة؛ يوماً يُشدّد على حاجة لبنان المُلحّة للتأليف في أسرع وقت، وفي يوم آخر نراه عصيّ الدمع شيمته “الرفض”! تشكلت الحكومة منذ أيام، ووصفها الحكيم بحبة “البنادول”، وتسبّب بإحباط عدد كبير من الشعب اللبناني الذي كان ينتظر ولادتها متمسّكاً بخيط أمل رفيع علّه يكون بداية الخلاص، حتى “خلّص” عليهم الحكيم في أول تصريح له بعد التشكيل! فماذا يعني أن يطالب تكتل “الجمهورية القوية” بتشكيل حكومة مستعجلة، وعند التشكيل نراهم في واجهة المعارضين لها؟

يُذكر أنّ مواقف حزب “القوات” كانت تدور طوال الفترة الماضية حول ربط تشكيل الحكومة بإنقاذ البلد وأنها السبيل الوحيد للخروج من الأزمة. ووصف سمير جعجع الذي كان يقود أحد أكبر الفصائل المسلّحة في الحرب الأهلية، السياسيين، بأنهم يتصرفون كما لو أنّ شيئاً لم يتغيّر منذ عمّت الاحتجاجات في لبنان الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية، واقتصاده مثقل بواحد من أعلى معدلات الدين في العالم. في هذه الحالة، من الأجدر أن نصف تصرّفاته بالشعبوية، وأنها تصبّ فقط في خانة تبييض صفحة “القوات” أمام الرأي العام بهدف إظهار حرص “مقنع” على مصالح الناس.

لا أمل بالحكومة!

وعن معارضة “القوات اللبنانية” للحكومة الجديدة، يقول عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب عماد واكيم: “لا نستطيع أن نعطي الناس جرعة أمل عن حكومة راهنوا عليها طوال 13 شهراً وستصدمهم بعد فترة! من جهتنا، سنُصفّق للحكومة في أي عمل إيجابي تقوم به، ولو كانت نظرتنا لها حتى الآن سلبية. وعندما يصدر منها أي خطأ فسنكون أول المعارضين لها. وثقتنا لا علاقة لها بالأشخاص بل بالمنظومة، فالأخيرة شكّلت هذه الحكومة كما الحكومات الماضية التي كانت تستطيع أن تقوم بإصلاحات عدة فيها لكن لم نلمس منها شيئاً، وهذه الحكومة ستلقى المصير عينه”.

بالنسبة لاستقلال الحكومة، يوضح أنه “بعد 13 شهراً، تم تشكيل حكومة يرضى بها جبران (باسيل) و(حزب الله)، وكل الأطراف السياسية بحجّة أنهم يسيرون حسب المبادرة الفرنسية التي تنصّ بالأساس على تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلة. لذلك نحن لا نستطيع إعطاء الناس أملاً كاذباً. لا شك أننا لا نستطيع الخروج من هيكلية النظام الطائفي في لبنان لتشكيل الحكومة، لكن كان لا بدّ من الاتفاق بين الجميع ومن ضمنهم (القوات)، على إعطاء الحكومة فرصة لتتشكل بوزراء اختصاصيين غير حزبيين أو تابعين لأحزاب على أساس الوضع الصعب الذي يعيشه البلد، وتضع خطة ملائمة، وستنال احتراماً وتجاوباً كبيراً من أغلب الللبنانيين”.

وعن أهمية تشكيل حكومة في هذا الوقت، يضيف: “لا شك أننا لا نلغي فكرة أنّ لبنان بحاجة ماسّة إلى حكومة معجّلة، ولكن المضمون فارغ بسبب دخول الأحزاب والمحاصصات. وقد شهدنا الرئيس السابق حسان دياب كم كان متقاعساً في عمله، ولقد قمنا بتوقيع عريضة ضدّه وسندّعي عليه أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء لأنه وخلال فترة 13 شهراً في تصريف الأعمال، لم يصرّف أي عمل، واكتفى فقط بتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، واعتبر نفسه مستقيلاً ولا تعني له كل الأحداث التي تحصل حوله”.

ويردّ على اتهام “القوات” بالتعاطي بشعبوية على مبدأ “خالف تُعرف”، فيقول: “ننتظر البيان الوزاري لنبني على أساسه قرارنا النهائي بثقة أو لا ثقة بهذه الحكومة من خلال اجتماع سنعقده لكتلة (الجمهورية القوية)، والتوجه العام للحزب واضح جداً، ومن يشكك بصدقيتنا تجاه الشعب اللبناني وحرصنا على حكومة إنقاذ لا إحباط، عليه مراجعة مواقفنا وبالأخص في الحكومتين الأخيرتين والحقائب الوزارية التي تسلّمناها وعملنا على إنعاشها قدر المستطاع. وهناك أرشيف يستطيع الجميع الرجوع إليه والتأكد من مواقفنا بالنسبة لموازنتي 2018 و2019، وبالنسبة لطرحنا التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. لذلك غايتنا بعيدة كل البُعد عن الشعبوية، ومَن يرى غير ذلك (يحط إصبعه بعيني)!”.

معارضة الحكومة خلفها مكاسب!

ويرى عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم، أنّ “كل فريق سياسي له حرية بناء موقفه وفق سياسة حزبه، لكن اليوم، نحن في ظرف استثنائي يمرّ به البلد، ومن المفروض أن نمنح هذه الحكومة فرصة لمعرفة ما ستؤول إليه سياستها، وكيف ستتعاطى مع أزمات البلد، وكيف ستواجه التحديات الاقتصادية ومعاناة الناس من خلال خطة وطنية. وعليه، يجب أن تتضافر الجهود للعمل على المصلحة الجامعة بعيداً عن مرحلة تسجيل مكاسب ومصالح شخصية”.

ويؤكد أنّ “مواجهة الحكومة بالرفض والمعارضة منذ البداية غير طبيعي اليوم، ولا شكّ أنّ (القوات) تطلق هكذا موقف وفقاً لمصلحتها ورؤيتها أولاً. وكنا نتوقّع أن تكون هذه الحكومة نقطة إجماع بين جميع الأطراف السياسية، وعلى (القوات) ألا تنظر من زاوية الربح الحزبي في هذا الظرف الصعب، واعتراضها السريع بهذه الطريقة هو من باب سياسي بحت، انطلاقاً من مبدأ المعارضة لتحقيق مكاسب معيّنة، وهذا خارج منطق الأصول”.

الموالاة والمعارضة في آن معاً لا يجتمعان في طبيعة الأحوال، لكن حزب “القوات” جمعهما، كيف؟ وما هي الآلية؟ وعلى أي أساس يتم ذلك؟ وإلى أين الوجهة المقبلة؟ لا نعلم، لكن نأمل ألا يعود بنا الزمن إلى مرحلة “لو كنت أعلم”، ومقرّها معراب هذه المرّة!

شارك المقال