“حبة بنادول”

د. أحمد عبدالله عاشور

تشكّلت الحكومة وبدأ تسلّم الوزراء، وعمّت الفرحة وبودلت التهانئ والتبريكات واشتعلت وسائل الإعلام بالتصريحات المتنوّعة الداخلية والخارجية، واهتزّت الأسواق وانخفض سعر صرف الدولار إلى 15000 ل. ل.، إلخ…

سألت صديقي المسؤول بخبث: ما رأيك في تشكيل الحكومة؟ فأجابني بكل ثقة: إنه أمر جيد وستتحسّن الأحوال…

لم أقتنع برأيه لمعرفتي بصدقيته، فطرحت السؤال بطريقة أخرى عن توقعاته بالنسبة لأداء هذه الحكومة، فصمت ثم قال: “حبّة بنادول”.

انتظر الشعب اللبناني زمناً طويلاً متحمّلاً أشكالاً وكميةً كبيرة من المعاناة التي أرهقته اقتصادياً واجتماعياً ومعنوياً، آملاً بولادة حكومة تنتشله من هذه المأساة وفساد الإدارة وتقاسم السلطة بين الأحزاب والطوائف، لكن فوجئنا بأنّ هذه الحكومة الجديدة تشكّلت اعتماداً على توزيع السلطة والوزراء بالمحاصصة وحسب الطائفية والأحزاب والمحسوبية والمجاملات والتنازلات بأبشع صورها على حساب الشعب اللبناني.

إذن، ما هو دور وعمل وصلاحية رئيس الحكومة مع وزراء ينتمون في أدائهم وولائهم إلى الأحزاب التابعين لها، والتي رشحتهم لتنفيذ أجندتها، وهم يُعتبرون أداةً بيد القيادات الحزبية الفعلية المخفية؟

لستُ مع جهة ضد أخرى، ولستُ متشائماً ولا متفائلاً بعطاء هذه الحكومة التي وُلدت بعد مخاض عسير من رحم معاناة وأوجاع الشعب، وبضغط من حكومات خارجية وتدخل رؤساء وهيئات دولية وتهديدات مباشرة وعلنية بعقوبات على مسؤولين وعلى الدولة واتفاقيات مخفية مشبوهة كلها تعبق بالعفونة والخساسة.

لا أريد تضييع فرحة الشعب بإعلان الحكومة وتوقعاته وآماله بحل جميع مشاكله واستقرار الأوضاع، لكنه استقرار وهمي وموقت “ويا فرحة ما تمّت”، مثل مريض مثقل بعدد كبير من الأمراض، وفي حال خطيرة وحرجة ويحتاج إلى عناية مشددة ثم يصف له الطبيب حبة بنادول.

لهذا، فإنّ الوضع في لبنان يحتاج إلى تدخل جراحي شامل واستئصال لأعضاء خبيثة بالكامل، ثم إعادة تأهيل وعلاج طبيعي، وليس مجرد حبة بنادول مهدّئة ليس لها أي تأثير.

من هي الجهة التي تهتم وتحلّ مشاكل شعب بأكمله بعلاج وهمي، كحبّة بنادول مهدّئة وموقتة لأوجاع سنوات، فمن يبحث عن المال والجاه والسلطة لا يمكن أن يفكّر أبداً بحاجات الشعب وثورة الجياع، فالثروة والثورة لا يلتقيان.

أتمنى أن أكون مخطئاً في توقعاتي وأفكاري، لكن الظواهر المبدئية لا تشير إلى ذلك، فـ”ليالي العيد تبان من عصاريها”…

نسأل الله اللطف بالشعب اللبناني وحمايته من بطش أبنائه وجهلهم قبل أعدائه… آمين.

شارك المقال