واشنطن والشرق الأوسط… هل انقلب السحر على الساحر؟

حسناء بو حرفوش

سلط مقال نشر في موقع “نيويورك تايمز” (NYTimes) الأميركي الضوء على طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط وتأثير كل منهما على الآخر، انطلاقاً من التساؤل التالي: “هل أعادت الولايات المتحدة تشكيل الشرق الأوسط أم شرعت في الحقيقة بتقليده؟” وبحسب المقال، “سيسأل علماء الآثار الناظرين إلى هذه الحقبة في يوم من الأيام، بعد بزوغ فجر ألف عام، بالتأكيد، كيف انتهى الأمر بقوة عظمى كالولايات المتحدة والتي سعت لجعل الشرق الأوسط أكثر على صورتها، من خلال تبني التعددية وسيادة القانون، لتصبح هي نفسها أكثر شبهاً بالمنطقة، من طريق محاكاة أسوأ الأعراف القبلية وإدخال مستوى جديد كليا من الفوضى في سياساتها الوطنية؟

وصحيح أن الشرق أوسطيين قد يختارون إطلاق اسم “الشيعة” و “السنة” على قبائلهم الكبيرة، لكن بالتوازي، يطلق الأميركيون على قبائلهم أسماء “الديمقراطيين” و “الجمهوريين” (…) في ظل تسارع ظهور القبلية الجمهورية المتطرفة إلى حد كبير وسيطرة قاعدة من المسيحيين البيض، الذين يخشون من تآكل “تفوقهم” الذي طال أمده في هيكل السلطة الأميركية، بسبب التغيير السريع للأعراف الاجتماعية وتوسيع نطاق الهجرة والعولمة، الأمر الذي يجعلهم يشعرون بأنهم لم يعودوا في وطنهم.

وهذا ما يبرر تمسك هؤلاء بدونالد ترامب، الذي عبّر بحماس عن أشد مخاوفهم وشد عصبهم القبلي الذي زاد من تصعيد سعي اليمين لحكم الأقلية. وهذا لا يقتصر فقط على الدفع للتلاعب المعتاد في الدوائر الانتخابية، ولكن أيضا على الترويج لنظريات المؤامرة حول انتخابات 2020 وإقرار قوانين قمع الناخبين الأكثر صرامة واستبدال منظمي التصويت المحايدين بقرصنة قبلية جاهزة لخرق القواعد (…) ولكن ما الذي أدى إلى التحول من التعددية التقليدية إلى القبلية الشرسة في الولايات المتحدة والعديد من الديمقراطيات الأخرى؟ إجابتي (أي إجابة الكاتب توماس فريدمان) المختصرة هي كالتالي: لقد أصبح الحفاظ على الديمقراطية أكثر صعوبة اليوم. وتعمل الشبكات الاجتماعية باستمرار على استقطاب الناس، في ظل العولمة وتغير المناخ والحرب على الإرهاب واتساع فجوات الدخل والابتكارات التكنولوجية السريعة (…) بالإضافة إلى جائحة كورونا. ويجد الآن عدد من القادة المنتخبين ديمقراطيا في جميع أنحاء العالم أنه من الأسهل بكثير حشد الدعم من خلال المناشدات القبلية التي تركز على الهوية بدلا من القيام بالعمل الشاق المتمثل ببناء التحالفات والتسوية في المجتمعات التعددية في زمن معقد. وحينها، يتحول كل شيء إلى علامة هوية قبلية، وصولاً حتى إلى ارتداء الأقنعة خلال الجائحة ولقاحات كورونا وتغير المناخ.

(…) ومن المفارقات أن الحياة الأميركية لم تعرف مؤسسة عملت بجد لتحصين الولايات المتحدة من فيروس القبلية هذا، أكثر من الجيش، الذي تمسك بإثراء وتمثيل أخلاقيات التعددية. علماً بأن الجيش يتضمن الأشخاص أنفسهم الذين احتكوا بشكل وثيق بالشرق الأوسط لأكثر من عشرين عاماً. لا يعني ذلك أن بعض الأفراد في الخدمة لم يرتكبوا تجاوزاتهم في تلك الحرب أو لم يتعرضوا لصدمات بسبب تجاوزات أعدائهم أيضاً. لقد حدث كل ذلك دون شك. لكنهم لم يسمحوا لما حصل بتغيير هويتهم الأساسية ونوع الجيش الذي أرادوه أن يكون (…) وهو جيش من التنوع في الوحدات العسكرية.

إقرأ أيضاً: إدارة بايدن تصنع “داعش” جديدة

(…) القيادة مهمة للغاية ويمتلك السكان الأميركيون تنوعاً مشابهاً للجيش الأميركي، لكن أخلاقيات التعددية والعمل الجماعي التي أظهرها العديد من الرجال والنساء في الزي العسكري تقلل من الانقسامات القبلية داخل القوات المسلحة. وعلى الرغم من أنها ليست مثالية إلا أنها حقيقية. القيادة الأخلاقية القائمة على مبادئ التعددية تكتسي أهمية كبرى، ولذلك، يعتبر الجيش الأميركي آخر حامل كبير للتعددية في وقت يختار فيه المزيد والمزيد من السياسيين المدنيين القبلية الرخيصة. أما الأمر الأكثر إلحاحاً والأكثر إثارة للخوف فهو مدى انتشار فيروس القبلية هذا في بعض الديمقراطيات متعددة الطوائف الأكثر حيوية في العالم، على غرار الهند (…) حيث تم إضعاف القومية الهندية القائمة على التعددية من المتطرفين الهندوس، الذين يتمسكون بعزم شديد بتحويل الهند العلمانية إلى “باكستان هندوسية”، كما قال المؤرخ الهندي البارز راماتشاندرا جوها ذات مرة.

الحق يقال أنه لا يمكن أن تصاب الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم بفيروس القبلية وتحديداً في هذا الوقت الذي سيتعين فيه على كل مجتمع وشركة ودولة التكيف مع التسارع في التغير التكنولوجي وفي العولمة وفي تغير المناخ. ولا يمكن الاهتمام بشكل فعال بهذه القضايا إلا داخل البلدان مع أقصى درجات التعاون بين الشركات والعمال والمعلمين ورجال الأعمال الاجتماعيين والحكومات (…) لكل هذه الأسباب، نحن بحاجة لإيجاد حل لهذه القبلية المتنامية بسرعة، وإلا فإن المستقبل سيبدو قاتماً للغاية بالنسبة للديمقراطيات في كل أنحاء العالم”.

شارك المقال