الدخول في الزمن الفارسي

عالية منصور

“حزب الله” والدولة اللبنانية خطان متوازيان لا يلتقيان، كل ما يفعله الحزب هو لتثبيت هذا الامر، بكل تأكيد لا يرغب الحزب في الاشتباك مع الدولة طالما ان هذه “الدولة” لا تشكل عائقا امام مشروعه، بل وفي كثير من الاحيان باتت بخدمة مشروعه.

وزير الأشغال في الحكومة الجديدة والمحسوب على “حزب الله” علي حمية صرّح بعد عبور الصهاريج أن “الحصار الأميركي على لبنان كُسِر وبات وراءنا”، معتبراً أن “قرار استيراد المازوت سيادي مبني على الحرص على المواطن وعلى كل لبنان”، فهل هذا موقف الحكومة اللبنانية أم ان الحكومة صارت تعبر عن موقف “حزب الله”؟ وهل ترى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وحمية احد اعضائها، ان اميركا تحاصر لبنان؟ ام انها صارت شريكة بتسويق بروباغندا الحزب التي يعلم الجميع انها بروباغندا مبنية على الاكاذيب، وان احدا لا يحاصر لبنان الا “حزب الله” نفسه؟

هذه الاسئلة اجابتها واضحة لمن لا يريد ان يختبىء خلف تمنيات وشعارات، فحكومة الرئيس ميقاتي الثالثة تستحق عن جدارة لقب حكومة “حزب الله”، وان كانت حكومة حسان دياب اثبتت فشلا ذريعا على جميع الاصعدة واولها الايحاء انها حكومة من خارج الاحزاب، الا انه ومع حكومة ميقاتي يبدو ان الحزب اراد حكومة لا يستفز من اختير لرئاستها الطائفة السنية، بل ان اول من طرح اسم ميقاتي هم خصوم “حزب الله”، رؤساء الحكومة السابقين، وميقاتي وان لم يكن يوما ذا بعد عربي واقليمي ودولي الا ان اسمه ليس مجهولاً كما كان دياب، فهل وقع رؤساء الحكومة السابقين بفخ “حزب الله”؟

على صعيد آخر، فإن محاولة الايحاء ان الجكومة ولدت من دون ضوء اخضر اميركي، وان ولادتها جاءت بعد اتصال بين الرئيسين الايراني ابراهيم رئيسي والفرنسي ايمانويل ماكرون هي محاولة استنتاج قاصر، فالمبادرة الفرنسية والتي فشلت على مدى نحو 13 شهراً، ما كانت لتنجح لولا الضوء الاخضر الاميركي من ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن، وهي نفسها المبادرة التي أفشلتها الادارة الاميركية السابقة من خلال فرض عقوبات على شخصيات مقربة من “حزب الله” من مختلف التيارات بعيد إطلاق ماكرون مبادرته بأيام.

ومع ذلك لا يمكننا ان نتجاهل ان التعاون الفرنسي الايراني لا يقتصر على لبنان، بل رأيناه في العراق مؤخرا، وايضاً وايضاً مع محاولة ايحاء مستمرة بأن حكومة الكاظمي ليست على مسافة قريبة جدا من طهران.

فهل يتم كل ذلك دون ضوء اخضر بل ودعم خلفي اميركي؟ ان مجرد التذكير بتصريح السفيرة الاميركية في لبنان قبل اسابيع بخصوص الغاز والسماح بمروره من سوريا ما هو الا اثبات ان الادارة الاميركية قررت ليس فقط وقف الضغط على الجمهورية الاسلامية الايرانية، بل وغض النظر والسماح بالتعاون مع ادواتها في المنطقة وكأنها تقدم بادرة حسن نية للرئيس رئيسي الى حين العودة الى الاتفاق النووي.

يصرّ بعض السياسيين اللبنانيين التعاطي مع الاحداث اللبنانية وكأن لبنان جزيرة منفصلة عن محيطه، متجاهلين كل ما يحصل على الصعيد الاقليمي والدولي، ولكن للاسف الواقع ليس كذلك، وحكومة ميقاتي ليست سوى حلقة في سلسلة احداث تنذر بأن المنطقة مقبلة على الدخول بالكامل بالزمن الفارسي.

والى حينه فليحتفل انصار “حزب الله” بصهريج مازوت من هنا او باخرة فيول من هناك، وليغضب خصوم الحزب من مشهد هذه “الاحتفالات العفوية”، فذلك كله لن يغير من واقع الحال بشيء في ظل غياب اي مشروع جدي قادر على الوقوف بوجه “حزب الله” لبنانياً، وبوجه فارس اقليمياً.

شارك المقال