طالبان الحداثة أم عصر جهادي ثالث! 

راما الجراح

وضع إقليمي جديد فرضته طالبان على أفغانستان، ومخاوف كبيرة في ما إذا سيتجدد العنف في المنطقة، لكن طالبان 2021 بدأت ترسم صورتها إعلامياً كما لو أنها لم تعلنه هي نفسها سنة 1996. على الرغم من أن أفغانستان تعتبر دولة عصيّة على التحديث والإصلاح، ففي عام 1979 جرت عملية تحديث أفغانستان على أيدي اليسار وكان الرئيس نجيب الله الشيوعي ينتمي إلى “البشتون”، أي الأغلبية العرقية الموجودة، وفشِلَ مشروع التحديث اليساري بالرعاية السوفياتية، والآن فشل مشروع التحديث برعاية أميركية للمرة الثانية حتى فرَّ الرئيس أشرف غني هارباً بطريقة لا تليق بالقادة، وجاءت طالبان اليوم لتفتح صفحة جديدة حسبما يروّج إعلامياً وبدأت بالمرأة وتشجيعها على التعليم في الباب الأول لكونها عنصراً أساسياً يُسلط عليه الضوء من المجتمعات الدولية، وبالنسبة للبعض الآخر أتت طالبان لفتح مرحلة جهادية ثالثة.

وكأن المتحدث باسم طالبان في أفغانستان، ذبيح الله مجاهد، كان قد أعطى في أول مؤتمر صحافي تعقده الحركة في العاصمة الأفغانية كابول بعد سقوط البلاد في أيدي مقاتليها، تطمينات وتعهدات باحترام حرية الصحافة وبعدم اضطهاد الصحافيين، كما أكد أن النساء سيسمح لهن بمواصلة عملهن شرط وضعهن الحجاب أو غطاء للشعر، وأعلن مجاهد “نهاية الحرب” والعفو عن جميع الخصوم. كما قال المتحدث باسم المكتب السياسي للجماعة في الدوحة سهيل شاهين ان ارتداء المرأة للبرقع بات اختيارياً لكن على المرأة أن ترتدي الحجاب على الأقل. يأتي ذلك في إطار محاولة الحركة التقرب من المجتمع الدولي والحصول على اعتراف بشرعيتها في الحكم، وأوضح أنّ النساء يمكنهن التعلم من المرحلة الابتدائية إلى التعليم العالي، وهذا يعني الجامعة مضيفاً أن آلاف المدارس في المناطق التي استولت عليها طالبان ما زالت تعمل.

الكثير من القرارات الصادمة أعلنت عنها طالبان ضمن مدة زمنية قصيرة، ممكن أن يكون الوقت لا يزال مبكراً للتحليلات بهذا الشأن بهدف الوصول إلى نتيجة جليّة، لكن هذا لا يمنع أن نحاول البحث ما بين السطور عن عدة مقاربات منطقية في هذا الشأن، وقد تواصل “لبنان الكبير” مع المتخصص في دراسة الجماعات المتطرفة الدكتور يوسف سلوم الذي شرح عبر سلسلة عن الجماعات المتطرفة وخصّ طالبان بمقاربات منطقية عبر التاريخ.

بين البُعدين الثقافي والديني 

ويرى الدكتور سلوم أنه “عندما نريد الحديث عن أمر ذي بُعد ديني، أن أرى البُعد الثقافي من الموضوع وبالأخص موضوع المرأة الحساس، هذا البُعد مهم في هذا الإطار وأشدّد عليه لأنه يُدمج غالباً مع البُعد الديني ولا نستطيع التفريق بينهما، على سبيل المثال للحجاب بُعد ثقافي بالدرجة الأولى حتى قبل الإسلام كان موجوداً، وهناك قبائل عديدة مثل قبيلة الطوارق في مالي والنيجر الحجاب والنقاب موجود حتى لدى الرجال، فالقضية أساسها بُعد ثقافي أكثر منه ديني”.

ويتحدث عن الحجاب في أفغانستان: “موضوع الحجاب يحمل في الدرجة الأولى البُعد الثقافي قبل الديني، ولا علاقة كبيرة للتطرف والتشدد الديني في هذا الموضوع، وفي لمحة سريعة للفترة التي خرجت فيها طالبان من الحكم وجاءت حكومة حامد كرزاي حتى الأمس، هل اختفى الحجاب أو النقاب في أفغانستان مثلا! حتى إننا يمكننا القول إن فترة هذا الحكم “العلماني أو الديموقراطي” إذا صح القول كانت نسبة التزام المرأة بالحجاب والنقاب كبيرة”.

ويضيف في السياق عينه أنه “يمكننا ملاحظة أن الجيش الأفغاني لم يقاتل طالبان بسبب “حرمة الدم” المسلم على المسلم، وهنا نكون قد دخلنا في البُعد الديني، فطالبان تنادي بالحكم الإسلامي والجنود الأفغان يطمحون للغاية عينها، فكيف سيواجهون طالبان في هذه الحال والمطلب الثقافي عند الجنود الأفغان ترفعه طالبان، ولذلك لم نشهد عمليات مواجهة مع الجيش الأفغاني”!.

المرأة والتعليم 

بالنسبة إلى تعليم المرأة على وجه الخصوص يقول سلوم: “التعليم في أفغانستان بالنسبة للمرأة عبر التاريخ، بشكل عام كان هناك حرمان للمرأة من الاختلاط الإجتماعي وهذا الأمر متوارث عربياً وإسلامياً وثقافياً في هذه المنطقة ككل، لذلك المرأة لم تتقدم في الجوانب الإجتماعية، بالأخص أن أفغانستان بلاد حرب، وإذا أردنا إستعراض تاريخها عاشت فترات حروب متقطعة وأياما صعبة ينقطع فيها التعليم أساساً”.

ويضيف: “في فترة خروج طالبان من الحكم تدربت جيداً، وأصبحت تملك الوعي الذي يؤهلها لاستخدام طريقة ليّنة في مخاطبة الناس، وركزوا على جانب التعليم بالنسبة للمرأة مع مراعاة الجانب الإسلامي بعدم اختلاط الذكور والإناث والالتزام بالزي الإسلامي، وهذه ثقافة هذه المنطقة أكثر منها بُعد ديني”.

ومن وجهة نظره، “لا اعتبر موضوع المرأة بالنسبة للتعليم فخاً من طالبان لتزيين صفحتها إعلامياً، بل قناعة موجودة، وهي تُحسّن صورتها طبعاً بسبب الخبرة التي اكتسبتها بعد اقصائها من الحكم فترة 20 سنة، ولو كان الأمر غير ذلك سيرفض المجتمع الأفغاني هذا التزييف، ففي الحكم المالكي كانت الفتاة تتعلم، وعندما دخلت طالبان للمرة الأولى إلى افغانستان من الطبيعي أن لا تتعلم الفتاة بسبب أجواء الحرب التي كانت تسود في المنطقة آنذاك لفترة 10 سنوات بعد دخول السوفياتيين إليها وتسببت في دمار كابول وقندهار وقندوز وغيرها من المدن الكبرى والأرياف”.

ويتابع: “بعد انتهاء الحرب عام 1989، اختلف ملوك الطوائف الأفغان في ما بينهم واندلعت حرب طاحنة جديدة استمرت حتى عام 1994، وبعدها تسلمت طالبان الحكم وأفغانستان مُدمرة بشكل كبير وهمّ الناس الاكل قبل التعليم، وعادوا إلى العهود القديمة، وحتى عام 2001 تقريباً كانت فترة حكم أفغانستان ولم يتسنَّ لهم أساساً بناء المدارس بشكل واسع والتشجيع على التعليم بشكل عام”.

بين طالبان وداعش! 

وعن الفارق بينها وبين الجماعات المتطرفة يقول: “تهمة الإرهاب أو التطرف تنبثق بشكل أساسي من الجانب السياسي، ومن حيث الاتجاه الديني فطالبان تختلف عن داعش وتنظيم القاعدة اللذين يُعتبر اتجهاهما سلفياً جهادياً وبالفقه حنبلياً (أي أقصى اليمين في الجهاد وأقصى اليمين في الثورة)، أما طالبان فبالفُقه أحناف وبالعقيدة ماتوريدية، لذلك هناك اختلاف جذري بينها. ومن الجانب السياسي، داعش لديها مبدأ التكفير على مبدأ الولاء والبراء، ومبدأ الجهاد وغيرها. أما طالبان فلا تُكفر، وتنظر للمخالف لها على أنه متمرد أو مخالف ليس أكثر. ومن ناحية أخرى داعش مثلاً تتعاطى بشكل جامد في السياسة، أما طالبان فتحاور، وفي اعتقادي اليوم تعلموا درساً جعلهم يُعدّلون فهمهم للسياسة وتنظيم تفكيرهم”.

ويختم المتخصص في دراسة الجماعات المتطرفة حديثه بالقول إن “هناك فارقا شاسعا بين طالبان في الفترة الأولى وطالبان في الفترة الحالية، والاختلافات كثيرة، فهي اليوم أكثر حنكة وسياسة ومعرفة بالشأن الدولي، وأكثر فهماً للأمور، ولا شك ينقصها الكثير في العديد من الأمور بحسب ثقافتها، ولا أتصور على الرغم من انفتاح طالبان على تعليم المرأة أنها ستتسلم مراكز أو مناصب في القضاء أو في الوزارات وذلك يعود إلى ثقافة الأفغان المعهودة التقليدية، وشعبها محافظ لأبعد الحدود، والأمر تاريخي في أفغانستان وذلك بعكس باكستان تماماً “.

شارك المقال