“اللغز” التركي بين “لوموند” و”يني شفق”

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تواجه فيه تركيا قضايا عدة، كمسألة عودة اللاجئين السوريين ومخاطر التسرّب النفطي والعمليات العسكرية في شمال سوريا، ركز الإعلام التركي على تنامي قوة البلاد وعلى التموضعات الجديدة في الجبهة الخارجية، والتي قرأها بعض المحللين على أنها نتيجة لتنامي قوة البلاد الاقتصادية والعسكرية. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة تركية قراءة تردّ فيها وفق ما تزعم، “على الإعلام الذي يروّج لخطر اللغز التركي من خلال المنشورات اليومية عبر وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية حول مزاعم قوة غير عادية وتحذيرات من “الخطر” الذي تمثله تركيا. كما تعلّق وسائل الإعلام الآسيوية من جهتها بشكل يومي على صعود تركيا المفاجئ، على الرغم من أنها تتمسك ببعض التحفّظات. أما بالنسبة للشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فهما من ناحية أخرى، يعلقان آمالًا كبيرة على تركيا يومياً”.

وإذ سلّط موقع صحيفة “يني شفق” (أي الشفق الجديد) المعروف بسياسته المقرّبة من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الضوء على “انهيار الجبهة الخارجية ضد تركيا”، رداً على صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية التي أدرجت هذا الأسبوع، تركيا والصين وروسيا في قائمة “القوى التي تشكل تهديداً لمستقبل الاتحاد الأوروبي”، بالتذكير بأنه “لطالما نظر تقليدياً إلى روسيا والصين كتهديد للمشروع الروماني الممتد من دول البلطيق إلى الحدود السورية (…)، ويرجع ذلك إلى حقيقة تموضع الصين المفاجئ ضد المشروع القديم، ثم ظهور روسيا مجدداً في أوائل القرن الحادي والعشرين، بينما كانت الولايات المتحدة وأوروبا تستعدان لبسط اليد على العالم، لكن بدأت بعض الدول بشكل غير متوقّع باكتساب مكانة بارزة، مما أدّى إلى انهيار خططهم”.

(…) “ولكن هذه المرة الأولى تعتبر فيها تركيا تهديداً عالمياً لأوروبا، وموقف الولايات المتحدة ليس مخالفاً (…)، فقد أصبحت تركيا، البلد الذي صنّف أوائل القرن الحادي والعشرين على أنه جبهة حامية، قوة هائلة في غضون عقدين من الزمن. وأعقبت ذلك نقاشات رئيسية حول ما يعنيه صعود الصين وروسيا للغرب، مما أدّى إلى تشكل رأي عالمي. وتعاد صياغة العالم اليوم من خلال تفكك الشرق والغرب (…)، لكن بالمقابل، ودائماً حسب المقال، جرت محاولات لإضعاف تركيا من داخل البلاد وخارجها (…)، لكن تركيا ليست لديها النية للتراجع (…)، وتحولات القوة العالمية تمهّد الطريق لمناطق غير عادية من المناورة لتركيا، فضلاً عن فرص جديدة. أضف إلى ذلك، أنّ دول الاتحاد الأوروبي لمست إنجازات تركيا في صناعة الدفاع، لا سيما الطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع الجوي، ليس فقط كسلاح ولكن أيضاً كذكاء جيوسياسي عظيم. وبالتالي، تعتبر هذه الدول ذلك جزءاً من صعود تركيا، ليس إقليمياً فحسب، لا بل عالمياً”.

وتعليقاً على تعريف “لوموند” حول قوة الصين وتركيا وروسيا، تعتبر تركيا أنها أمام فرصة ستثبت أنها ميزة للعالم وليست “تهديداً” (…)، وهذا مرتبط بالتعريف الأوروبي للتهديد، بينما “نموذج تركيا” سينطلق من “صحوة تركيا” التي تتدفق من وسط وشمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط، من آسيا الوسطى إلى جنوب آسيا ومن البلقان إلى بحر قزوين. وهذا ما يتمحور حوله الاهتمام في ما يتعلّق بقول “ستغيّر تركيا محور العالم”، لأنّ المنطقة “الإسلامية”، التي تمتد عبر المغرب وإندونيسيا، وتشكل المحور الرئيسي للأرض، هي مصدر هذه العاصفة.

تأثير الانسحاب الأميركي

ولا يمكن الكلام عن السلطة من دون التوقف عند تأثيرات الزلزال والصدمة اللتين سببهما الانسحاب الأميركي من أفغانستان في كل المنطقة وكل دولة تعتمد على الولايات المتحدة، والدول التي ربطت وجودها ومستقبلها بالكامل بها والتي تواجه أزمة خطيرة (…)، فقد تسبب “الفرار من كابول” بصدمة حقيقية في عواصم هذه البلاد، واستمرت تركيا بالتكتم على مسارها خلال هذه العملية، وتعاملت معها بطريقة هادئة وجامعة، بعيداً من النبرة الديبلوماسية المدمرة (…)، لكن بعض الدول تتسابق لتحسين العلاقات مع تركيا، وهي تتخذ “خطوة صحيحة” نحو الإفادة من القوة الصاعدة من خلال جذب استثمارات بمليارات الدولارات (…). وستحرص تركيا على الحضور في كل مكان ينسحب منه الغرب، وسيتعيّن على الغرب أيضاً الانسحاب من العديد من الأماكن التي تدخلها تركيا، وهذه هي الطريقة التي يتكوّن فيها اللغز حتى الآن (…) لقد ذهبت جميع الخرائط التي صمّمتها الولايات المتحدة وأوروبا منذ العام 2021 أدراج الرياح. يبقى السؤال: كيف ستنعكس هذه التحولات داخل تركيا؟ سنرى عما قريب كيف تنهار التحالفات والجبهات الداخلية”.

إردوغان: الكلمة لتركيا

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قد أكد في كلمة السبت الماضي أنه بات “من الممكن رؤية تأثير تركيا في جميع أرجاء المنطقة من سوريا إلى ليبيا ومن المتوسط إلى القوقاز”، مشدداً على أنّ بلاده لها كلمة في كل القضايا التي تخصّ المنطقة، وأنها اكتسبت هذه المكانة بفضل قوتها العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية. كما لفت إلى أنّ تركيا قادرة على إنتاج الصواريخ والدبابات والقنابل، بالإضافة إلى المسيّرات المزوّدة بالأسلحة والتطوّر في سياق الصناعات الدفاعية والتكنولوجية.

المصدر: yenisafak

شارك المقال