رواتب اللبنايين في الخارج إلى ما دون الـ50%!

راما الجراح

بعدما كان قرار الهجرة هو الاحتمال الأخير لأي لبناني يريد الانخراط في سوق العمل، تحوّل بفعل الأزمات المتراكمة إلى حُلم يراود الشباب اللبناني في نومه ويقظته. الجو العام في مجتمعنا لم يعُد يُبشر بالخير، طغت على جلساتنا أحاديث تقديم طلب هجرة إلى دولة أوروبية يسكن فيها أحد الأقارب، أو إلى الخليج الوجهة الأقرب والأسهل إلى اللبنانيين، بحيث لغة الضاد تبقى الأولى فيها فتسهل عليهم عملية التواصل، وتقاضي الرواتب يكون بالدولار، العُملة الأحب إلى قلب اللبناني اليوم بسبب ارتفاع سعر صرفه مقابل الليرة أضعاف ما كانت عليه في السابق، فيستطيع بذلك العيش في الخارج وإرسال مبلغ لذويه في الوطن الذي أصبحت فيه الـ100 دولار تسند جرّة بكل ما للكلمة من معنى بعدما أصبحت تساوي أكثر من مليوني ليرة.

كذلك، نسب الهجرة إلى ارتفاع غير مسبوق وهذا الأمر أصبح بديهياً ومتفقاً عليه بحسب الإحصائيات والمصادر الرسمية المعنية، لكن المفارقة أن معايير التوظيف للبناني التي كانت سائدة في السابق تغيّرت وتبدّلت في الخارج يسبّب الأزمة الاقتصادية الآنية، وكان لارتفاع سعر صرف الدولار وقعه القوي على طلبات العمل في الخارج بالنسبة إلى اللبناني تحديداً، فانخفضت رواتب اللبنانيين بنسب تخطت الـ 50% في بعض الأماكن جراء ما يحصل في بلدنا، فبعدما كانت وظيفة المحاسبة في إحدى الشركات في الخليج تخصص اللبناني براتب لا يقل عن 8 آلاف دولار، أصبحت تعرض عليه راتباً من دون الـ 3 آلاف دولار والمفاجأة أن الوظيفة تلقى قبولاً كاملاً من اللبناني لأن “الدولاب برم” وأصبح بحاجة إلى أي وظيفة كانت بالدولار بدلاً من أن يكون عاطلاً عن العمل في بلده الذي لم يؤمن له أدنى حقوقه المعيشيه والحياتية!

الهجرة مقابل رواتب منخفضة!

ويشرح مؤسس شركة “Job Finder” عامر زين أكثر عن تأثير الأزمة في الشعب اللبناني المهاجر أو المهجّر إذا صح القول من بلده، ويقول لـ”لبنان الكبير” إن “الأمور تسير بحسب العرض والطلب، ويتم دفع الرواتب على أساس ذلك واللبناني الذي لم يكن يقبل براتب أقل من 3 آلاف دولار في السابق، نراه اليوم يتقدم إلى وظيفة براتب ألفي دولار فما دون، وهنا بشكل تلقائي مع التكرار المستمر لهذا الموضوع تصبح أغلب عروضات العمل على الموال عيّنه مما يؤدي إلى انخفاض في عرض الوظيفة وراتبها تجاه اللبناني”.

ويضيف: “ازدادت منذ العام الماضي نسبة المواطنين اللبنانيين الذين يتقدمون للسفر الى وظيفة براتب ألف دولار فقط لا غير، ونحاول كشركة المساعدة برفض أن تكون الرواتب متدنية لهذا الحد حتى لو كان الشخص مقتنعاً بها، فنحاول مساعدته قدر الإمكان ليكون راتبه مقبولاً نوعاً ما ولا يقل عن ألفي دولار، أو يتم تأمين إقامة وعوامل حياتية أساسية من الشركة، كي تبقى قيمة اللبناني محفوظة”.

ويختم زين: “على الرغم من كل ذلك لا يزال راتب اللبناني الأفضل ودول الخليج بخاصة تحاول الاستفادة من كفاءة اللبناني الذي تراه بعين التميز والإبداع. كل هذه المعلومات مبنية على مصادر وإحصاءات قامت بها الشركة، وهناك توجّه لـ 90% من الشعب اللبناني للهجرة، لكن تواجه أغلبهم معوقات عدة تحول دون إتمام عملية التوظيف، فالوظيفة إذا كان معلناً عنها في لبنان ودولة خليجية أخرى في الوقت عينه، نلاحظ جيداً في هذه الحالة الكمية الهائة التي تقدم إلى الخارج مقابل عدد صغير جداً يتقدم على تلك المُعلن عنها في لبنان”.

معاناة المغتربين والمهجّرين!

النماذج كثيرة ومتنوعة في ما يخص تجارب اللبنانيين الأخيرة مع وظائفهم في الخارج، وروى لنا أحمد الحائز على إجازة في المساحة من معهد عمر المختار التربوي، والذي استكمل دراسته باختصاص هندسة الديكور في الجامعة اللبنانية الدولية، ويعمل مهندساً منذ أكثر من 7 سنوات في احدى الشركات في الخليج، ووصل راتبه العام الماضي إلى 12 ألف دولار، أنه “مع بداية هذا العام أتيت بإجازة إلى لبنان كعادتي، وبعد عدة أيام تلقيت اتصالاً مفاجئاً من الشركة يفيد بأن هناك استراتيجية جديدة ستتّبعها الشركة بالنسبة إلى رواتب الموظفين بسبب أزمة مالية تمر بها، وكانت الصدمة عندما قال لي أحد الموظفين إن راتبي سينخفض إلى 5 آلاف دولار، للوهلة الأولى كنت سأرفض هذا العرض وأتقدم باستقالتي لكن لم يكن أمامي أي خيارات لفرصة عمل جديدة ووافقت على ذلك”.

ويتابع: “بعد مرور شهرين على هذا القرار، اكتشفت أنني وأربعة من اللبنانيين الموظفين في الشركة فقط مَن تم تعديل رواتبهم، وخبرية الأزمة المالية غير صحيحة، والذي حصل هو خيار لنا إما القبول بهذا الراتب أو أنهم يستطيعون إيجاد بديل بأقل من ذلك أيضاً، كل هذه الأمور سببها الأزمة الاقتصادية والمالية التي تسبّب بها الفساد في بلدنا، فبعدما كانت شركات الخارج تدفع آلاف الدولارات للمواطن اللبناني للاستفادة من كفاءته وخبرته، أصبحنا اليوم لعبة بين أيديهم لأننا في نظر العالم بحاجة إلى هذا المردود مهما كانت نسبته”.

الرواية الثانية تصب في خانة المعاناة عينها، لكن من زاوية أخرى، فأحد المواطنين الذي فضّل عدم الإفصاح عن اسمه أرسل سيرته الذاتية إلى احدى الشركات في هولندا مقابل راتب لا يتعدى الـ3500 دولار، ويقول: “أنا ممرض أعمل في القطاع الصحي منذ 12 عاماً، كانت فرص العمل في الخارج تمر أمامي في مواقع التواصل الاجتماعي ولم أكن أكترث لها، فراتبي كان يساوي 1500 دولار سابقاً ولا أحب الغُربة والابتعاد عن الأهل، لكن بكل أسف المبلغ عينه الذي كان يكفيني وأهلي وعائلتي لم يعد يكفيني وحدي، وأقدم اليوم على وظيفة لا تتناسب حتى مع مستوى خبرتي، وراتبها قليل جداً مقابل سفري من بلدي، فقط لأنني لا أريد أن أرى أولادي يموتون من الجوع أو يُحرمون من حقهم في التعليم”!

يبدو أنه مكتوب على جبين اللبناني أن يبقى مغموراً بالبؤس واليأس أينما ذهب، فلا فرج ولا طمأنينة حتى تزول لعنة الفساد من رأس هرم الجمهورية حتى أسفل درج المجلس، لنعيش بسلام…

شارك المقال