العمالة الأجنبية… بين الرحيل والترحيل 

جنى غلاييني

الأوضاع المعيشية الصعبة وتدهور سعر الصرف تركا تداعياتهما على اللبنانيين والعمال الأجانب الذين انخفض عددهم من 150 الفاً الى 60 ألفاً بسبب عدم إمكان دفع رواتبهم التي أصبحت بالـ”فريش دولار”.

وفي حين أن عدداً من هؤلاء العمال فضّل الرحيل طوعاً، بقي عدد آخر للعمل في لبنان لأنّ راتبه بالدولار لكن هناك الكثير من بينهم لا يسددون ثمن الإقامة، وبالتالي أصبحوا غير شرعيين مما دفع الأمن العام إلى اتخاذ اجراءات تسهّل على الكفيل والعامل معاً إيجاد حلول إن كان لبقائهم أو لترحيلهم.

وتشير مصادر مطّلعة لـ”لبنان الكبير”: “هناك تساهل كبير جداًّ في التعاطي مع العمال الأجانب المنتهية صلاحية إقامتهم، إذ حدّد المدير العام للأمن العام سابقاً مهلة لتلك العمال حتّى شهر آب للمغادرة من دون أي مشاكل، لكن بعدها تبيّن وجود أعداد كبيرة جدّاً من العمال المنتهية تاريخ إقامتهم، لذا قرّر المدير العام تمديد المهلة حتّى نهاية هذه السنة لإعطاء فرصة لهؤلاء العمال بالرحيل بطريقة سهلة”. وتضيف المصادر أنه “في حال عدم إمكان الكفيل دفع مستحقات العامل وغيرها بعد عدّة محاولات، يتكفّل الأمن العام استثنائياً بتكاليف ترحيله”.

وتوضح أنّه “لا يوجد إخفاق في ملاحقة العمال المكسورة إقامتهم، لكن هناك أعداداً كبيرة منهم ومن غير الممكن أن يوضعوا جميعهم في السجن، لذا يعمل الأمن العام على تعقّبهم وترحيلهم بأسرع وقت ممكن، علماً أنّ أكثر المناطق التي يقبض عليهم فيها، هي إمّا ضمن بيروت أو في جبل لبنان”.

وتستطرد: “هناك بعض المكاتب الخدماتية التي تعتبر دكاكين إذ تتعامل مع العمال الأجانب غير الشرعيين باحتيال، لذا يقوم الأمن العام بمكافحة وملاحقة أصحاب تلك المكاتب واتخاذ اجراءات إدارية بحقهم”. وختمت المصادر: “هناك عمّال أجانب يطلبون من سفارات بلادهم المعتمدة في لبنان أن تساعدهم في الرجوع الى بلادهم طوعاً، فتقوم السفارة بتقديم كتاب الى الأمن العام للالتفات الى أمرهم وتسهيل معاملات مغادرتهم وقتما شاؤوا”.

وفي هذا السياق، يقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أنّه “بسبب الأوضاع الراهنة تراجعت أعداد العمالة الأجنبية في لبنان من نحو 150 ألفاً الى 60 ألف عامل، منهم من رحل من تلقاء نفسه على الرغم من وجود إقامة له، ومنهم من تم ترحيله من الأمن العام بسبب انتهاء صلاحية إقامته”.

ويتابع: “لم يعد هناك وظائف في لبنان وهذا ما يدفع أيضاً العامل الأجنبي الى المغادرة، لكن بعضهم يفضّل البقاء ويجدّد إقامته بسبب تدني كلفتها إذ كانت تساوي 1000 دولار أما الآن فأصبحت كلفتها 100 دولار نظراً لقدرة العامل الأجنبي الذي يتقاضى راتبه بالفريش دولار على تسديدها”. ويضيف شمس الدين أنّه “وفي حال الترحيل يعمل الأمن العام على تسهيل معاملات المغادرة بالنسبة للكفيل أو الشركة المسؤولة عنه”.

صاحب شركة “So clean” الخدماتية عادل غانم يؤكّد أنّ “الأمن العام يعمل على تيسير الأمور المرتبطة بمعاملات الإقامات وغيرها، غير أنّهم يقومون بعملهم ضمن الإمكانات المتوافرة لهم”. ويوضح: “أعداد العمال الأجانب هذه السّنة ضئيلة، والسبب أنّ الرواتب التي يتقاضونها لم تعد كافية لضمان استمرارية عيشهم في لبنان، هذا ما جعل العمال الذين لم تنتهِ إقامتهم بعد أن يطلبوا الرحيل، وفي شركتي تحديداً يوجد ما لا يقل عن ستة عمال يريدون الرجوع الى بلادهم”. ويتابع: “كانت رواتبهم قبل الأزمة تصل الى الـ300 دولار لعشر ساعات عمل، هذا غير السكن المؤمّن لهم ويوم عطلة في الأسبوع، أمّا حاليّاً وبسبب تفاقم أزمة الدولار، قسم كبير من العمال الأجانب يحصلون على مستحقاتهم بالليرة اللبنانية ولا تزال الأمور تسوء حتّى الآن”.

ويصف حال العامل الأجنبي في هذه الأيام: “يوجد شركات تعطيه 150 دولاراً نقداً و500 ألف ليرة لبنانية والتي لن تكفيه لتأمين متطلبات عيشه شهرياً مما يضطره الى صرف الـ150 دولاراً بدلاً من إدخارها مثلما كان يفعل سابقاً”. ويشير الى أنّ أوضاع الشركات الخدماتيّة في تأزّم شديد: “حالياً وفي حال طلب أحد عمالي الرحيل لا أتردّد أبداً بل على العكس يريحني جدّاً مع العلم أنّ تكاليف ذهابه تقع على عاتقه ضمن مدّة عقده والتي تمتد أربع سنوات، أمّا وفي حال تخطي هذه المدّة يتكفّل صاحب الشركة بتكاليف سفره”.

ويختم غانم: “هناك حالات أخرى يطلب مني الأمن العام دفع مستحقات ترحيل عامل هارب من شركتي منذ مدّة ولم أستفد من خدماته وتكون إقامته قد انتهت صلاحيتها وعندما يقبض عليه يحمّلونني مسؤولية ترحيله، وهذه جدلية يجب التوقف عندها خصوصاً بعد ارتفاع سعر صرف الدولار”.

شارك المقال