إلغاء اشتراك مولدات الكهرباء “بالجُملة”!

راما الجراح

أزمات “بالجُملة” تعصف باللبنانيين، وآخرها انخفاض ساعات التغذية الكهربائية والتقنين القاسي في كل مناطق لبنان، والذي يرخي بثقله مع حلول فصل الشتاء. ويعتمد أغلب اللبنانيين على مولدات خاصة للحصول على الكهرباء في الوقت الذي تعتمد فيه البلاد على الوقود العراقي لحل جزء من الأزمة بشكل استثنائي، لكن المفارقة أن المازوت مفقود وإن وجد تكون أسعاره باهظة، إلى فواتير الاشتراك التي أصبحت تساوي أضعاف رواتب الموظفين في القطاع العام على وجه الخصوص.

إزاء هذا الإرتفاع الكبير في الفواتير، توجه عدد لا يُستهان به من المواطنين في عدة مناطق إلى إلغاء اشتراك مولدات الكهرباء في منازلهم، ففي بلدة واحدة بقاعية لا يتعدى عدد سكانها الـ700 نسمة ألغى أكثر من 100 منزل اشتراك الكهرباء فيها. وفي أحد أحياء منطقة كورنيش المزرعة في بيروت ألغى أكثر من 40 منزلاً اشتراك الكهرباء هذا الشهر بعدما ارتفعت كلفة الـ2.5 أمبير إلى أكثر من مليون و700 ألف ليرة على الرغم من انقطاع الموتور أكثر من مرة في الـ 24 ساعة .

وتشير الحاجة أم علي، أحد سكان منطقة الكورنيش: “أصعد إلى منزلي في الطابق السابع يومياً سيراً على الأقدام وأنا أبلغ من العمر 60 عاماً وأعاني من مرضي السكري والضغط، وفي أغلب الأحيان تتدهور صحتي على الدرج وأشعر بضيق نفس شديد في الصعود، وكل ذلك بسبب عدم توافر كهرباء “للأسانسور” (المصعد) سواء كهرباء الدولة أو كهرباء الاشتراك غير المتوافرة للمصعد”.

من جهته، يؤكد أبو أحمد من البقاع الأوسط أنه “أصبح لدينا نظام جديد في المنزل وقاسٍ جداً بسبب فاتورة اشتراك كهرباء زحلة، فبعد أن تخطت الفاتورة الشهر الماضي المليون و400 ألف، اضطررنا إلى تنظيم حياتنا بأن نستحم يومين في الأسبوع بسبب استهلاك الكهرباء “للأوربيت”، وأصبح موعد الغسيل محدداً بيوم واحد في الاسبوع، واضطررنا أيضا إلى أن نجتمع في المطبخ جميعنا كل الليل والنهار للدراسة والطعام والجلوس لتوفير الاستهلاك، على أمل أن تأتي فاتورة هذا الشهر أقل بكثير من قبل لأن راتبي لا يتعدى المليون و200 ألف ولديّ 3 أطفال في المدرسة”.

وبحسب المعلومات، فإن العديد من البلدات اللبنانية غرقت في الظلام وأطفئت مولدات الكهرباء فيها بسبب عدم قدرة الأهالي على دفع فاتورة الاشتراك، ومنها منطقة تكريت شمال لبنان، وبذلك أصبح أغلب المواطنين يقضون ساعات ليلهم الطويلة على الشمعة بسبب انقطاع الكهرباء المتواصل، وعدم توافر الاشتراك. ويلقي غالبية الممتعضين من هذا الواقع اللوم على التيار الوطني الحر الّذي تسلم وزراء محسوبون عليه وزارة الطاقة خلال العقد الأخير، وهم المسؤولون بشكل مباشر عن الوضع المأزوم في قطاع الكهرباء تحديداً.

وعلى وقع الأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان وانعدام خطط التنمية، اتسعت رقعة الفقر في لبنان، وقد كشفت دراسة حديثة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية عن تفاقم الفقر في لبنان إلى حد هائل في غضون عام واحد فقط إذ ارتفعت من 55 في المئة عام 2020 إلى 74 في المئة من مجموع سكان البلاد في شهر أيلول 2021. ووجدت الدراسة أن نسبة الأسر المحرومة من الرعاية الصحية قد ارتفعت إلى 33 في المئة، كما ارتفعت نسبة الأسر غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف، فكيف لهؤلاء أن يستطيعوا دفع فواتير الاشتراك التي تعتبر أساسية كالغذاء والدواء ويُعتمد عليها في المستشفيات والحالات الطارئة في المنازل.

وفي هذا السياق، يقول أبو عمر من منطقة طرابلس إن “ابني يحتاج إلى مصل دوائي يعمل على جهاز كهربائي ست مرات في اليوم، وللأسف لا كهرباء في منطقتنا، وخدمة الكهرباء متقطعة والفاتورة آخر الشهر تساوي ضعف راتبي وعلى الرغم من ذلك لا ينال إبني من علاجه سوى نصفه في أغلب الأحيان”، هكذا يشكو هذا الأب سوء حالهم بسبب أزمة الكهرباء ويؤكد أنه يتنقل غالبا بين منازل جيرانه في الأحياء الأخرى لإجراء الجلسة لولده عند توافر الكهرباء لديهم وانقطاعها في الوقت عينه في منزله.

يعيش اللبنانييون على وقع أزمة حادة تتمثل بغياب التغذية الكهربائية لمؤسسة كهرباء لبنان من جهة، وعدم توافر القدرة المادية لديهم لدفع اشتراك المولّد من جهة أخرى. كابوس مُظلم يعيشونه ويجهلون موعد استيقاظهم للتخلص منه في ظل ارتفاع نسبة الفقر بينهم بشكل دراماتيكي ومقلق.

شارك المقال