تنشّق “الباتكس”… ظاهرة تتفشّى في شوارع بيروت

جنى غلاييني

على أرصفة بشارة الخوري، طفلان متسولان مستلقيان غير متّزنين، لا يتجاوز عمر كل منهما الثمانية أعوام بعد، في أحضانهما زجاجة ماء بلاستيكية تملؤها مادة الغراء، فيقوم أحدهما بوضع أنفه على عنق الزجاجة ليستنشقها لأكثر من دقيقة!

إدمان جديد يلجأ اليه أطفال متسولون يتعاطون الـ”باتكس” (Patex) كمادة مخدِّرة، فاقدين الحماية الاجتماعية ومشتتين عائلياً. استنشاق مادة الغراء يستخدمها أطفال الشوارع بشكل متواصل للتأثير فيهم الى حد الإدمان والوصول الى الشعور بالسعادة الزائفة والانتشاء. وهذا الغراء مركّب من مواد بترولية وكيميائية سامّة تنتمي لمجموعة المذيبات العضوية الطيارة والتي لها تأثير في قلب ودم ودماغ أولئك الأطفال.

شم الغراء سلوك شديد الخطورة على الصحة الجسدية والنفسية للطفل، إذ تفيد الاختصاصية في أمراض الإدمان والأمراض العقلية والنفسية الدكتورة كريستينا عرموني لـ”لبنان الكبير” بأنّ “استنشاق الغراء بطريقة متواصلة تؤدّي الى إدمانها، ومن الممكن لاحقاً أن ينتقل هذا الإدمان لمادّة أخرى تأثيرها التخديري أكبر من تأثير شم الغراء”.

وتتابع: “إنّ شفط الغراء يؤدي الى أضرار جسيمة بصحة الطفل وأوّلها في الجهاز التنفسي إذ يتسبب بالتهابات وتخريب النسيج الرئوي والقصبات، بالإضافة الى أضرار في الجهاز العصبي ومن الممكن أن يتسبب بفقدان الوعي والجلطات الدماغية، ومن العوارض التي من الممكن أن تظهر على الطفل الذي يكون تحت تأثير المخدر، التصرفات اللاواعية إذ تصبح قوته العقلية مشوّشة ومضطربة، وبالتالي يفقد اتزانه وتركيزه على الأشياء ومن المحتمل أن يعرّض نفسه الى الخطر”.

وحول التأثيرات الصحية على المدى البعيد لاستنشاق الباتكس، تؤكد عرموني: “إنّ شم الغراء لكمية ومدة طويلة يؤدي الى موت مفاجئ للطفل، إذ من الطبيعي أن تؤثّر هذه المادّة الكيميائية السامّة في كهرباء القلب”. وتضيف: “الإدمان مرض بحد ذاته، حيث يصبح الجسم مبرمجاً على أحاسيس معيّنة وعلى طريقة معينة لتخدير عواطفه وأوجاعه، وإذا كان الطفل وصل الى حد الإدمان في استنشاق الغراء، لا يمكن أن يكف عنها الاّ بطرق محدّدة وهي أن نعيد تأهيله لكي يصبح طفلا قادراً على التعامل مع أسس الحياة بطريقة سليمة، كما يجب أن تتم متابعته ومراقبته بعد تخلّصه من الإدمان”.

وتوضح عرموني أنّ “الأطفال المتسولين الذين نراهم علناً يستنشقون الغراء، لا يمكن أن يتخذوا قراراً من تلقاء نفسهم بأنهم يريدون شراء الغراء وإدمانه، بل هناك من يجبرهم على شمّه، ربما أهلهم أو المسؤولون عنهم بحيث يرغمون الطفل على أخذها ليبدو بحالة مسكين ومريض من قلة الطعام ليحصل على المال”.

ومع غياب الرقابة والضوابط، يبقى الحد من انتشار ظاهرة استنشاق الباتكس في لبنان أمراً غير ملموس، إذ يشير المدير العام لوزارة الشؤون القاضي عبدالله أحمد أنّ “الوزارة تعمل على حملات توعية وإرشادات توجيهية حول مخاطر المخدرات وكيفية التخلّص منها، وليس من صلاحياتها البحث عن الأطفال الذين يشمون الغراء كمادة مخدّرة، ولكن في حال رصدت وزارة الشؤون حالات من هذا النوع بالتأكيد يتم احضارهم وتسليمهم الى وزارة الصحة أو الى جمعية تعنى بتأهيلهم”.

ويتابع: “الوزارة غيرة مجهّزة من هذه الناحية، لكن لدينا مؤسسات تهتم بالفرد الذي يكون أنهى فترة علاجه، نأخذه لرعايته ومتابعته، أما بالنسبة لتشكيل فرق بحث عن هذه الحالات فهي من مسؤولية الجهاز الأمني في البلد، وفي الأساس موضوع المتسولين تابع لوزارة الداخلية”.

ويختم أحمد بأنه سينظر في الأمر الاثنين المقبل وسيكلّف مساعدين اجتماعيين تترصّد انتشار هذه الظاهرة.

شارك المقال