المحلات التجارية نحو الإقفال دُر!

جنى غلاييني

إنّه القرار النهائي لأصحاب المحلات التجارية الصغيرة، الإقفال بات أمرا مفروغا منه، فالمعاناة تتفاقم كل يوم، والدولار كابوس لا مفر منه.

إنّ تهاوي العملة اللبنانية يوماً بعد يوم تُفقد أصحاب المحال قدرتهم على التسعير تفادياً لمواجهة خسائر كبيرة، وتدفع أغلبيتهم الى الاستسلام الفوري خوفا من المستقبل والإقدام على خطوة ما كانوا ليفعلوها لولا الضغوط النفسية والمعيشية التي يمر بها لبنان حالياً.

لا تاجر يربح، ولا المستأجر بات قادراً على دفع كلفة البضاعة وإيجار المحل. محلات تجارية تُقفل ومحلات أخرى مهددة بالإفلاس، ولا خيارات متاحة. ففي وقت قريب، ستصبح مراكز التسوّق خالية من المحلات التجارية. فحتى قطعة القماش التي يستتر بها المواطن حُرم منها، ولم تعد في متناوله. أمّا المحلات التجارية فتئن رفوفها التي باتت شبه فارغة والخسارة أصبحت تتكدّس.

وهذا ما تعانيه صاحبة أحد المحلات في سوق الجديدة والتي تقول لـ”لبنان الكبير”: “كل الناس تعاني من الأزمة الاقتصادية، إن كنا أصحاب محلات أو زبائن، وأكبر دليل على ذلك هو إقفال عدد كبير من المحلات التي تبيع الثياب والأحذية في السوق هنا، إذ أنّ بعضهم فضّل السفر الى البلدان القريبة لفتح محل هناك، لأنّه لا إمكانية لمواصلة العمل في لبنان في هذه الظروف الصعبة، أمّا من أقفل باب رزقه نهائيّاً فلأنّ الخسائر كانت كبيرة ولم يستطِع تحمّلها”.

وتروي صاحبة المحل عن “الاسعار التي ارتفعت بشكل جنوني إن كان لناحية إيجار المحل أو فواتير مولدات الكهرباء، وشراء الألبسة على سعر الصرف الذي لا يعرف استقراراً، كما بتنا مجبورين على زيادة أجور الموظّفين، كل ذلك يضعنا أمام تحدّيات كبيرة وصعبة، ونستمر في مهنتنا ليس من باب الربح كما كنا نفعل سابقاً، إنّما من باب الاستمرارية فقط على أمل أن ينتهي هذا الكابوس الذي نعيشه”.

وتشير الى الأزمة التي لحقت حتّى بزينة الميلاد فالشارع الذي لطالما كان يتزيّن بأجمل زينة ميلادية يبدو هذه السنة حزيناً بحدٍ أدنى من الزينة ومن الإضاءة ومن الفعاليات التي كانت تنظّم فيه.

ولفتت صاحبة المحل الى معاناة الناس الذين باتوا في أغلبهم يدخلون الى المحل “للفرجة” أو للاطّلاع على الأسعار من دون أن يشتروا ما يريدون لأنّ أكثريتهم يعتبرون الأسعار جنونية وليس بمقدورهم الشراء كما في السابق وهذا من حقهم لأنّ الأمور انقلبت رأساً على عقب.

وفي حين كانت الزبونة تشتري أكثر من قطعة هي اليوم في أحسن الأحوال تكتفي بقطعة واحدة تكون الأرخص في المحل لأنّه بكل بساطة، بسعر قطعة اليوم كانت تشتري أقلّه 5 قطع في السابق. وتؤكّد صاحبة المحل أنّه إذا بقيت الحال على ما هي عليه أو تفاقمت فسوف تتّجه الى الإقفال القريب.

وفي المحل عينه، بينما كانت إحدى الزبونات تتنقّل من ستاند الى آخر وتسأل مراراً وتكراراً عن سعر كل قطعة لأنّ التسعيرة غائبة عن كل البضاعة، حملت كنزة في يدها وتوجّهت الى صندوق المحاسبة ليتبيّن لها أنّ سعرها 600 ألف ليرة، ففوجئت وتركتها على الرغم من إعجابها الشديد بها، قائلةً: “كيف يمكن أن نشتري كنزة بهذا السعر الذي يكاد يساوي الحد الأدنى للاجور. إنّه جنون حقيقي لا يمكن الاستمرار معه إذ لم يبق معي من المعاش سوى 200 ألف مخصصة لشراء حاجاتي الأوّلية أكثر من شرائي لكنزة”.

ومن من سوق الى سوق في الطريق الجديدة المشهد والكلام يتكرّران، إذ يقول صاحب محل للأحذية أنّ “حركة السوق مشلولة، ولم تعد كالسابق، والناس يشكون من غلاء الأسعار غير مدركين معاناتنا، حيث أصبحنا يا دوب نطلع ايجار المحل من دون ربح”.

الوضع المأساوي أوصل صاحب محل الأحذية الى خسارة أحد فروع محلاته في منطقة برج حمود، قائلاً بأسف: “حتى هذا المحل سوف أخسره قريباً بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة وانعدام القدرة الشرائية لدى الناس، على الرغم من أنني حاولت بيع بضائعي عن طريق الاونلاين، لكن أدركت أنّ الكلفة قد زادت عبئاً عليّ بين خدمة التوصيل وأسعار البضائع التي لا ربح منها إلّا القليل”.

يبدو أنّ معاناة أصحاب المحلات التجارية وصلت الى ذروتها، إذ أصبح الربح يتضاءل شيئاً فشيئاً مع استمرار الخسائر بالتكدّس حتى الإفلاس وإقفال الأبواب، في حين يبقى الدولار محلقاً ليرتفع عدد العائلات الفقيرة في هذا البلد ويجاور الرقم الـ90%.

شارك المقال