ما حقيقة التوجه لإقفال مصفاة طرابلس؟

إسراء ديب
إسراء ديب

يُواجه العمّال في مصفاة طرابلس أزمات اقتصادية مختلفة دفعتهم إلى رفع الصوت عاليًا سعيًا للدفاع عن حقوقهم المعيشية التي يُطالبون بها منذ أشهر، ولا سيما مع تفاقم المشاكل الاقتصادية في البلاد، وهم يتوجهون فعليًا إلى إعلان الإضراب المفتوح بدءا من الاثنين رغبة بإيصال معارضتهم المندّدة بإهمال حقوقهم.

إضراب ومطالب اقتصادية

للمرّة الأولى، تُعلن هذه المنشأة الإضراب المفتوح من دون تحديد سقف زمنيّ واضح على الرّغم من مواجهتها أصعب الظروف الأمنية والاقتصادية التي عصفت بطرابلس، إضافة إلى الأزمة الوبائية وغياب المازوت في فترة سابقة أيضًا، لكنّ يبدو أنّ خوف العمّال بات مضاعفًا اليوم، إذْ يُعبّرون عن قلقهم من إهمال مطالبهم التي تكمن في ضرورة رفع الرواتب الشهرية المتدنية للغاية.

ولا تقتصر هذه المخاوف على الشقّ الاقتصادي فحسب، بل يُمكن القول أنّ بعض التسريبات كانت تُشير إلى نيّة للتوجه إلى إقفال هذا المرفق الحيوي ولا سيما أنّه لم يُسلّم منذ شهر تقريبًا البضاعة على الرّغم من توافر المازوت، ممّا ضاعف حالة القلق التي تُربك العمّال أكثر في ظلّ الضائقة الاقتصادية التي تزداد مع “تأخير فتح الاعتمادات التي دفعت المنشأة لتعويض خسائر تصل إلى 20 ألف دولار يوميًا عن كلّ يوم تأخير، أيّ أنّ المنشأة تدفع الثمن من دون تفسير السبب، مع العلم أنّ منشأة الزهراني تعمل بشكلٍ طبيعيّ إلّا طرابلس التي سمعنا ومن مصادر موثوقة أنّ بعض الأطراف المالية والسياسية تسعى إلى إقفال هذا المرفق الاقتصادي الذي يُساهم في دعم الدّولة اقتصاديًا”، وفق ما يقول أحد المعنيين بهذا الملف لـ “لبنان الكبير”، مؤكّدًا تواصله مع المرجعيات السياسية للتدخل.

ويقول رئيس نقابة موظفي وعمّال مصفاة طرابلس للبترول خالد الدهيبي لـ”لبنان الكبير”: “بعد مطالبتنا بتعديل الأجور واجتماعنا في وزارة الطاقة، طلب منذ فترة وزير الطاقة وليد فياض دراسة مالية للبت في الملف، وقامت المديرة العامّة لمنشآت النفط أورور فغالي بإعداد كتاب عن هذا الأمر، لكن بعد مهلة زمنية قيل لنا أنّ الدراسة لم تنته بعد، ولا يُمكن إخفاء الوضع المعيشي الصعب الذي يُواجهه العمّال هنا، فهناك حوالي 150 موظفًا وكلّ موظف فيهم يعمل عن 3 أشخاص، وبالفعل لدينا مطالب اقتصادية في كلّ من منشأتيّ طرابلس والزهراني نسعى إلى تحقيقها، ولن نستغني عن المنشأة مهما كلّف الأمر”.

ويدعم رئيس اتّحاد نقابات العمال والمستخدمين في ​الشمال شادي السيّد أيّ تحرّك يقوم به عمّال المنشأة سعيًا لرفع أجورهم، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “المنشأة لديها صندوقها الخاصّ ولا تُكلّف الدولة ماديًا فهي تُحقّق أرباحها وتسدّ حاجة السوق المحلّية بعيدًا عن الاحتكار، متسائلًا عن السبب الذي يدفع البواخر للبقاء في البحر لإلحاق الضرر بالمنشآت التي تدفع الثمن”. 

إقفال المنشأة؟

يلفت مصدر في المنشأة لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ التسريبات التي أشارت إلى التوجه للإقفال فيها شيء من الصحة “لأنّنا سمعنا بها من مرجعية كبيرة كانت قد سرّبت لنا هذه المعلومة”.

لكن حسب مصدر مطّلع، فإنّ الحديث عن الإقفال غير وارد وغير صحيح على الإطلاق، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ إقفال هذه المنشأة لا يتمّ إلّا بقرار حكومي والحكومة لن يكون من مصلحتها إقفال منشأة تُدخل وستُدخل المليارات من الدّولارات قريبًا إلى الخزينة الوطنية”.

ويوضح المصدر أنّ وزير الطاقة طلب دراسة من الدوائر المالية في كلّ من منشأتيّ الزهراني وطرابلس، والدراسات ما زالت قائمة حتّى اللحظة وهم يعملون حتّى أيّام الجمعة والسبت والأحد لإعداد تفاصيلها، مشدّدًا على أنّ الإشكال الرئيسي يكمن في اختلاف وجهات النّظر “فالعمّال يخشون هدر حقوقهم المعيشية التي لهم الأحقّية في الحصول عليها، فيما الوزير فياض يتضامن معهم إنسانيًا لكن لا يُمكنه القيام بأيّ خطوة إلّا بعد إتمام الدراسة والحصول على دعم قانونيّ يسمح باتخاذ القرار الصائب”.

ويُضيف: “صحيح أنّ المنشأة تعمل على القانون التجاري، أيّ أنّ الوزير يُمكنه اتخاذ القرار من دون العودة إلى الاجتماعات الحكومية المشلولة، وهو يرغب في اتخاذ القرار الذي لم يسبق لأحد أن اتخذه من قبل، لكنّه في ورطة، مما يُفسّر تمسّكه بالدراسة كيّ تضمنه قانونيًا، وبالتالي فإنّ الوزير لديه أيضًا موظفي وزارة الطاقة والمياه الذين سيُطالبونه أيضًا بتحسين أوضاعهم، مع العلم أنّها مؤسسة عامّة لا تخضع لما تخضع له المنشآت التجارية”.

وحسب المعطيات، فإنّ موظفي كلّ من “الريجي، الضمان الاجتماعي، مصرف لبنان، والميدل إيست تحسّنت أجورهم لأنّ قانونهم خاصّ واستفادوا من طريقة الإدارة، أمّا منشآت النفط فهي تحتاج أيضًا إلى الاستفادة من كونها مؤسسة استثمارية يحقّ لها ما طُبّق في المؤسسات الأخرى”.

مصفاة طرابلس: أمل اقتصادي

من جهته، يعتبر مصدر مطّلع أنّ قصّة إقفال المنشأة كانت مجرّد تسريبات إعلامية تندرج ضمن سياسة التصعيد والضغط للحصول على الحقوق المعيشية. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “وقّع اتفاق عام 2018 مع شركة روسية فازت بمناقصة في مصفاة طرابلس، وتأزمت الأمور مع كورونا، لكن منذ فترة زاروا المصفاة وأرسلوا الخرائط ودرست لدينا، والأسبوع المقبل سنطلق هذه الخرائط وسيأتي المتعهد ليُباشر ببناء الخزانات، كما توجد حركة عراقية أيضًا في المصفاة ستتضح قريبًا، ولا سيما أنّ المصفاة تقوم غالبًا بتطوير أقسامها من خزينتها الخاصّة وستدخل مليارات الدّولارات لا سيما مع المشاريع التي ستستثمر في المصفاة”.

ويختم: “أزمة البضاعة وتأمينها للمصفاة ستُحلّ بدءًا من يوم الاثنين بعد تأمين الأموال اللازمة لدفعها لمصرف لبنان، وتبقى أمامنا الأزمة المعيشية التي تُشكّل عائقًا”.

شارك المقال