إنجاز عرسالي عالمي وسط صمت إعلامي مريب!

راما الجراح

أهالي عرسال ليسوا “دواعش”، ولا إرهابيين كما تريد السياسة الخبيثة تصويرهم، ولا حاضنين لأي فئات ومنظمات غير شرعية كما يحاول البعض إشاعته، ذنبهم الوحيد أنهم من منطقة مهمشة لا تصلها التنمية ولا المشاريع الحكومية ولا الخدمات العامة.

لا صحف تكتب عنها ولا قنوات تهتم بنقل أخبارها ومشاكلها، لكن فجأة أصبحت الخبر واحتلت العناوين الرئيسية عندما اعتبروا حضنها الدافئ حامياً للإرهابين، لأن أهلها أيدوا المظلومين من الإخوان السوريين ووقفوا مع الحق ضد الباطل، فانقلبت الامور ضدهم، وتم شطب “عرش الرب” ويعني اسم عرسال المؤلف من كلمتين آراميتين، وحرمان أي انجاز أو نجاح يحققه أبناؤها من أن يظهر إلى العلن، أو يسلط الضوء عليه إعلامياً، أو تنظر الدولة فيه، لتكريمهم أو تقدير جهودهم.

عرسال القرية الأكبر في لبنان، تبلغ مساحتها 317 كيلومترا مربعا، وتشمل أراضيها 5% من مساحة لبنان، وتحتضن أكبر عدد من اللاجئين السوريين، لم تكترث الدولة لمعاناتهم وحاجاتهم بسبب ذلك، فسقطت ضحية الحسابات السياسية وعلى الرغم من وجود معالم أثرية وتاريخية تخولها أن تصبح مزاراً للسائحين في فصل الصيف تحديداً حيث تحتوي على بقايا قصور وحصون. كما تحتوي على بقايا مصاطب ومقابر يعود تاريخها إلى ما قبل العصر الروماني، وهي العصور التي شهدت هجرة بعض القبائل العربية إلى المنطقة، كما تحتوي على ما يقارب من 28 موقعا أثرياً لقرى قديمة، ومن أهمها: خربة الرعيان، ولكن حتى هذا الوقت لم تُجرِ وزارة السياحة اللبنانية أي عملية مسحٍ لهذه الآثار.

ومنذ يومين، احتلت عرسال المرتبة الأولى عالمياً، إذ فازت ابنتها الطالبة ماريا مسعود عودة البالغة من العمر 13 عاما في المسابقة العالمية الودية الافتراضية للحساب الذهني، والتي نظمت بالتعاون مع مجموعة من الدول من بينها اليابان، الصين، كوريا الجنوبية، ‏الولايات المتحدة الأميركية، الأردن، لبنان، العراق، ماليزيا، أستراليا، ماكاو، بريطانيا، هونغ ‏كونغ. لكن بكل أسف، هكذا إنجاز لم يحضر حتى في آخر فقرات نشرات الأخبار على جميع القنوات اللبنانية، فقط لأنها ابنة عرسال!

من هنا، تواصل “لبنان الكبير” مع الطفلة الموهوبة وعائلتها للحديث أكثر عن الإنجاز العالمي الذي حققته، وقال والدها مسعود عودة أن “ماريا تلميذة موهبة وهذه نعمة وهبها الله اياها، وقد سجلناها في مركز BFC للقدرات الذهنية بعمر الـ ١٠ سنوات تقريبا، نزولا عند رغبتها من جهة ولدى اكتشافنا لموهبتها وتشجيعنا لها في الحسابات من جهة أخرى، وبالفعل بعد أن نالت ماريا المركز الأول في المسابقة الودية التي أقيمت مع مصر، والمركز الثاني في مسابقة على مستوى العالم العربي، استطاعت أن تحتل المركز الأول عالمياً، ولم نُفاجأ أبدا بالنتيجة، فكل من يعرف ماريا يدرك أنها تبذل اقصى جهدها دائما لنيل المراتب الأولى في المسابقات”.

وأسف عودة لأن “عرسال لا تُذكر في نشرات الاخبار إلا حاضنة للإرهاب، وزرعوا الصورة السلبية عن هذه القرية، ولا أحد يعلم أننا من أكثر البلدات التي تضم نسبة متعلمين ومثقفين، ومنذ 5 سنوات نالت إحدى بنات عرسال المركز الأول في الإملاء على مستوى العالم العربي، بالإضافة إلى أنها تضم ثلة من الدكاترة والمهندسين والاختضاصيين في مجالات مختلفة إجتماعية وعلمية”. وأضاف: “عرسال متميزة بالعلم ولديها طاقات شبابية قادرة على فعل الكثير للمجتمع، وإهمال الدولة (المقصود) لعرسال ظلمنا وظلم أبناءنا ولم يفتح المجال أمامنا ليصل صوتنا والكشف عن حقيقتنا بشكل واضح، ونحن لو لم يسمح وضعنا المادي بتسجيل ماريا وتدريبها في المركز يوميا لما وصلت لهذا الإنجاز، ونأسف أن الدولة لا تستغل هذه القدرات الموجودة عند أبناء هذا البلد لتطورها وتؤمن لهم هذه البرامج ولو بشكل شبه مجاني لتشجيعهم ورفع اسم لبنان عالياً”.

من جهتها، قالت الطالبة الفائزة ماريا عودة: “أهوى الحسابات بشكل كبير، وزاد اصراري وطموحي لهذه المسابقات والحسابات عندما ساندني اهلي واحبابي وشجعوني على التسجيل في المركز وتابعوني بشكل دائم في كل المراحل التي تخطيتها، وكننت اتدرب حوالي ٦ ساعات في اليوم، وفزت بالمسابقة الأخيرة على مستوى العالم التي شارك فيها ٧٠٠ طالب من ٣٢ دولة في العالم وكانت سهلة جداً ولم أشعر بالتوتر، وكنا ٢٢ طالبا من لبنان وانا الوحيدة من المركز”.

وختمت ماريا حديثها: “أهدي نجاحي لأهلي وكل من شجعني على الإستمرار، ولبلدتي عرسال المحرومة من دعم الدولة من جهة، والتغطيات الاعلامية لإنجازاتنا من جهة أخرى، “مش شاطرين إلا يعملونا إرهابية”!.

هناك شباب كان لهم إنجازات كبيرة في عرسال على مستوى لبنان والعالم لكن لم يسمع بهم احد فقط لأنهم من عرسال تحديداً، البلدة التي أرادوا أن ينفوها من كل انجاز أو نجاح ولكنهم لن ينجحوا.

نائبة رئيس البلدية السابق ريما كرنوبي قالت لـ”لبنان الكبير” أن “أبناء عرسال يملكون قدرات تجعلهم متفوقين بأغلب أعمالهم، ولكن لا يلمسون أي اهتمام من أي وسيلة إعلامية بإنجازاتهم لتسليط الضوء عليها وهذا ما يؤثر سلباً في تنمية هذه القدرات، وقد صدف أن مركز “كنت متميزاً” وُجد في عرسال فأخذت ماريا فرصتها نوعاً ما للتكلم عن إنجازها في بعض المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي”.

ورأت أنه “من الظلم عدم تسليط الضوء على بلدة عرسال التي تضم البروفيسور الدكتور محمد يوسف الحجيري الذي وصل إلى مرحلة أنه قام بإضافات على مادة الرياضيات وزاد قوانين جديدة على المادة ولم يُسلط الضوء على إنجازه. كما تضم بطلا عالميا لكمال الأجسام يُدعى عيسى كرونبي لم ينل حقه إعلامياً ولا حتى من الدولة. إلى أعداد كبيرة من الدكاترة والمهندسين والمتخصصين بعدة مجالات متنوعة، فقط لأن السياسة السيئة هدفها تصويب البوصلة نحو الإرهاب، وأدعو الجميع إلى زيارة عرسال والتعرف الى أهلها الطيبين، ورؤية الصورة الحقيقية عنها، وأبوابها مفتوحة للجميع من دون استثناء، ولا تقفوا فقط عند الكلام الذي يُقال في الإعلام”.

وختمت كرنوبي: “نحن بحاجة لاحتضان من الدولة والمؤسسات التي تُعنى بالأطفال وجيل الشباب، لأن ذلك يمهد لنا الطريق للانطلاق نحو العالم، ولان القدرات المميزة يجب أن نقف إلى جانبها ومساعدتها للوصول إلى المراتب الأولى كما حصل مع ماريا، وعرسال بصدد تكريم ابنتها ماريا عودة الأربعاء المقبل ضمن احتفال سيقام في البلدة تقديرا لجهودها وتشجيعا للشباب”.

شارك المقال