الحيوانات الأليفة “مجهولة المصير”

نور فياض
نور فياض

لم تنَل أزمة ارتفاع الدولار ووباء كورونا من الناس فقط، إنما طاولت الحيوانات أيضاً، فأصبحت بلا مأوى وبلا رفيق وحتى بلا غذاء، إذ فشل أصحابها في تأمين حاجاتها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان وباتت مجهولة المصير.

أصبحت تكاليف الاعتناء بالحيوانات الأليفة معضلة تواجهها غالبية اللبنانيين وبخاصة أولئك الذين خسروا وظائفهم أو يتقاضون مبلغاً زهيداً يكاد لا يؤمّن حاجاتهم الأساسية، وبالتالي يضطرون للتخلي عن هذه الحيوانات.

وتؤكد عضو مجلس إدارة “جمعية بيتا” سفين فاخوري لـ”لبنان الكبير”: “بسبب الأوضاع الاقتصادية، نشهد اليوم كارثة وخطراً على الحيوانات الأليفة التي بطبيعتها غير مدمجة وغير معتادة على الشارع، إذ يمكن تشبيهها بكائن أتى من المريخ إلى الأرض، وهي لا تعرف حتى صوت بوق السيارة”.

وتتابع فاخوري: “نتلقى يومياً العديد من الطلبات ولكن لا يمكننا تلبيتها كلها، فالجمعية كالمستشفى عندما تمتلئ الأسرّة فلا مكان آخر للزوار الجدد. نحن نتلقى حالات عدة منها بداعي الأحوال الاقتصادية ومنها بداعي السفر وبخاصة إلى أستراليا التي تضع ضوابط عدة معقدة على الكلاب خوفاً من داء الكلَب، لذلك يضطر المسافر الى ترك حيوانه هنا في لبنان.”

وتوضح: “نسمع دائماً عبارة (ما معنا ناكل)، فأسألهم لماذا تربّون الحيوانات وهي بحاجة إلى سنوات من الاهتمام؟ من هذا المنطلق، يجب تكثيف حملات توعية الناس، إذ كنا سابقاً ننظّم العديد منها، لكننا بحاجة إلى مساعدة من الأهل أيضاً. أولاد اليوم مرهفون، يريدون التغيير، لكنهم يسيرون كما أهلهم ويتعاملون مع الحيوانات وفق منظور أهلهم”.

أما في ما يتعلّق بالدولة، فتشير فاخوري إلى أنها “ملامة أيضاً، وعلى وزارة التعليم إدخال برامج توعوية في المنهج، وعلى وزارة الداخلية تعميم القانون المتعلّق بالحيوانات على البلدية وتطبيقه”.

وتختم فاخوري: “نبذل جهدنا لمتابعة كل القضايا والملفات المتعلقة بالحيوانات الأليفة، التي عندما تتكاثر أعدادها تصبح درعاً بين الإنسان والحيوانات البرية، فهذه الإفادة لا يلتفت إليها أحد، بل يلجأون إلى تسميمها وقتلها. فالقتل والسم لم يكونا يوماً الحل”.

في السياق عينه، يقول رئيس جمعية “حيوانات لبنان” جايسون ميار لـ”لبنان الكبير”: “تركز الجمعية على قوانين تتعلق بالرفق بالحيوان، وتعمل على برامج تعليمية للتعرّف إلى كيفية التعامل مع هذه الحيوانات بالتعاون مع مسؤولين وجمعيات أخرى.”

ويتابع: “كانت جمعية (حيوانات لبنان) وراء إطلاق القانون المتعلق بالحيوانات، وذلك بعد حملات وتعب وملاحقة دامت 10 سنوات، وآنذاك حضر الناس للتوقيع على القانون الذي أقرّ سنة 2017. وكان الهدف منه ليس المعاقبة، بل هدفه توعوي وتحذيري. كذلك تكمن أهميته لغير القادرين على الوصول إلى الجمعيات، بأنه البديل ووسيلة لعقاب المخطئين.”

ويختم جايسون: “استخدمنا القانون سابقاً ورفعنا قضايا عدة على المعتدين، ونحن اليوم نسعى إلى تدريب القضاة والمحامين عليه، لكننا نجد صعوبة بذلك بسبب الظروف الاقتصادية، والأمر لم يعد أولوية في لبنان.”

“وضع السلاح وسط عينيه وأطلق عليه النار. جريمة بدم بارد في بشامون!”، بهذه العبارات تصف الناشطة والمدافعة عن حقوق الحيوانات غنى نحفاوي الجريمة الأخيرة التي تعرّض لها أحد الكلاب، وتضيف: “نشهد يومياً ما بين 6 و7 حالات تخلٍ من مختلف المناطق بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والمشهد موجع، إذ غالبية الحيوانات لا تعرف صوت السيارات، بعضها مثل القطط من دون أظافر ولا تستطيع الدفاع عن نفسها في الشارع. فالناس حكمت عليها بالإعدام ونحن نتعذب لإيجاد مأوى لها، إضافة إلى أنّ أحداً لا يساعدنا.”

وتتابع: “نطلب من الذين يؤوون الحيوانات إطعامها ما توافر لديهم، فالإجرام متفشٍ والمجتمع والمدارس والدولة في غياب تام. أصبحنا شعباً منحرفاً نحو الجريمة، والإحصاءات الأخيرة تشير إلى أنّ القاتل كان يعنّف الحيوانات في صغره. وهذه المأساة تعكس إنسانيتنا العاطلة”.

وتختم: “ألوم وزيري الزراعة والداخلية اللذين يمتنعان عن الطلب من البلديات تطبيق قانون الرفق بالحيوان. أما وزارة التربية فعليها توعية التلامذة، فمفهوم الرحمة يؤسس لمجتمع وإنسان أفضل، ونحن لا نحلّ مكان الدولة.”

أما البيطري الدكتور علي عبد الله، فيؤكد لـ”لبنان الكبير” أنّ “الأزمة تكمن في سعر الأكل الجاف الذي خفَّ الطلب عليه واستبدل بطعام منزلي”، ويشير إلى أنّ “بعلبك لم تتأثر بهذه الأزمة على عكس المناطق الأخرى”.

كلفة الحيوان تختلف من نوع إلى آخر ووفق جودة المنتج الذي يستعمله، ولا ننسى طبعاً زيارة البيطري. فسابقاً كانت الكلفة نحو مليونين، واليوم هذا المبلغ غير متوافر فتلجأ السيدة م. ج. إلى استبدال المنتج بآخر أرخص بكثير، لكنه أدى إلى سقوط وبَر كلبها، فاضطرت للعودة إلى المنتج الغالي للحفاظ عليه آملة أن تتحسّن الأضاع لئلا تضطر إلى التخلّي عن فلذة كبدها، كما وصفته.

وتشير ك. ع. إلى أنها لجأت إلى عمل إضافي لتغطية نفقاتها، وتضيف: “ليس لدي دخل كافٍ لإطعام حيوانَيّ الأليفين”. وتؤكد أنها تفضّل الجوع على التخلّي عن “ستيلا” و”باكو”.

أجبر الفقر بعض من اللبنانيين على تسليم حيواناتهم الأليفة التي عاشوا معها سنوات إلى جمعيات خيرية أو التفريط بها بالبيع أو حتى إهمالها في الشوارع، حيث أصبحت تحت خطر الوحوش الذين يقتلونها إن أزعجتهم بصوتها، ولا دولة تحميها ولا قانون يعاقب. فهل تصبح رؤية الحيوانات الأليفة حدثاً نادراً في لبنان ذات يوم؟

شارك المقال