أثناء حراسته لـ”بورة” خردة، شنّت عصابة سرقة هجوما عليه وحاولت سرقت ما توفر أمامهم من كسر الحديد والالومينيوم والنحاس، ولو لم يكن يقتني قطعة سلاح صيد في مكتبه وأطلق النار في الهواء لتفريقهم، لسرقوا ما سرقوه ولم يدرِ بهم أحد.
حوادث السرقات أصبحت عديدة ومتكررة مؤخراً في ظل استمرار لبنان بالمضي في طريق الانهيار الاقتصادي، وتحولت السرقة إلى ظاهرة عامة وبدأت تشكل خطراً كبيراً على حياة اللبنانيين اليومية وأمنهم الاجتماعي.
ويروي أبو أحمد، البالغ من العمر ٥٥ عاماً، من البقاع لـ”لبنان الكبير” تفاصيل ليلة السرقة: “كنت أسير ليلاً عند سياج الشبك الفاصل بين “الكسر” الذي أحرسه وأرض زراعية أخرى وبيننا أيضاً خندق عرضه حوالي مترين وليس عميقاً، وإذ بي أُفاجأ بضوء صغير يخرج منه وهناك أصوات همس، وعندما اقتربت أكثر وجدت عدداً من الشبان لم أستطع تمييز أعمارهم ولا أشكالهم بسبب العتمة يقومون بسحب مجموعة من كسر الحديد والنحاس، ركضت مسرعاً إلى الغرفة التي أجلس فيها واضطررت إلى إطلاق النار في الهواء لتفريقهم بعدما صرخوا علي وحاولوا مهاجمتي من فوق السياج، وعندما هربوا واستكشفت المكان تبين أنهم منذ عدة أيام يقومون بسرقة الكسر وسحب قطع منه ووضعها في هذا الخندق كي تصبح السرقة “حرزانة” وفي تلك الليلة كان مخططهم سحب كل ما جُمع في الخندق”.
وتؤكد احصاءات قوى الأمن الداخلي ارتفاع معدل الجرائم بشكل عام، خصوصاً القتل والسرقة في عام 2020 مقارنة بالسنوات الماضية. وتربط ذلك بتدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وبتوتر شديد، تستعيد فاطمة تفاصيل محاولة سرقة محفظة ابنتها في منطقة الناعمة: “كنت أسير مع ابنتي ميساء في الطريق، وكانت تحمل “جزدانها” على كتفها، وإذ بشابين على الموتسيكل (دراجة نارية) اقتربا منا بشكل سريع وأمسكا بـ”قشاط” الجزدان وسحبه وسحبا ابنتي الممسكة به بشكل قوي معهما وعندما فقدت ميساء السيطرة على نفسها وبعد أن جراها في الطريق أفلتت محفظتها، واستطاعا سحبها وسرقتها، وللأسف كانت تحتوي على عدة أوراق فحوصات وضمان وتقارير دفعنا ثمنها، بالإضافة إلى هويتها الشخصية ومبلغ 600 الف ليرة هي ما تبقى من راتبها الشهري”.
شركة “الدولية للمعلومات” اللبنانية خلصت في دراسة لها، إلى أن آخر الأرقام تشير إلى ارتفاع جرائم السرقة بنسبة 265 بالمئة، والقتل 101 بالمئة في البلاد إثر الأزمة التي تشهدها، وقالت الدراسة: “في الأشهر العشرة الأولى عام 2019، سُجلت 89 جريمة قتل، بينما في الفترة عينها من 2021 سُجلت 179. أما عمليات السرقة، فقد ارتفعت من 1314 في الأشهر العشرة الأولى من 2019، إلى 4804 في الفترة عينها من 2021، كما ارتفع معدل سرقة السيارات 213 بالمئة، من 351 عملية سرقة لمركبات في الفترة المستهدفة من 2019، إلى 1097 في 2021″.
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر أمني لـ”لبنان الكبير” أنه “منذ حوالي أسبوع وبعد حصول عدة عمليات سرقة لاسلاك كهربائية من الشبكة العامة العائدة إلى مؤسسة كهرباء لبنان في عدد من المناطق ضمن محافظة البقاع، وبعد رصد ومراقبة، استطعنا إلقاء القبض على أخطر عصابة سرقة أسلاك كهربائية تنشط في عدة بلدات بقاعية قامت بأكثر من 20 عملية سرقة، وتتألف العصابة من لبنانيين وسوريين. وعمليات السرقة في تزايد مستمر بسبب الأزمة الحالية حيث نتابع عصابات تقوم على سرقة مزارع للمواشي ليلا وبيعها في المسالخ والأسواق الشعبية، كما أن بلاغات السرقة من المستودعات النائية عن التجمعات السكنية في ازدياد مستمر، وهناك صعوبة في ملاحقة هذه السرقات لكونه غالبا لا يوجد في محيط تلك المستودعات كاميرات مراقبة، وننصح جميع من لديه مستودعات أو منزل في مناطق نائية عن التجمعات السكنية بتركيب كاميرات مراقبة وأخذ الحيطة والحذر في سكنه وتنقلاته خصوصا في ساعات الليل المتأخرة”.
وتقول المتخصصة في علم الاجتماع حنان عراجي أن “الانهيار الذي نعيشه أدى إلى انعكاسات إجتماعية سلبية، وشحن نفوس المواطنين بالخوف والقلق، لتأمين أساسيات عيشهم من جهة، وخوفهم من السرقات وجرائم القتل من جهة أخرى، وهذا كله يعزز أرضية العنف عندهم وخاصة بعد عدم ثقة اللبنانيين بالمنظومة القضائية والأمنية لأنه في أغلب الأحيان لا يلاحق السارقون وبالتالي لا تتم محاسبتهم، وهذا يُبشر بالاسوأ”!
زعزع الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان ركائز عيش اللبنانيين، وامتد إلى أمنهم الفردي والمجتمعي، وطبع الذعر والقلق حياتهم اليومية، والجميع يجهل ما ينتظره في اليوم التالي، فإلى متى ستستمر هذه الظاهرة؟ الأيام كفيله بكشف مصيرنا المجهول!