سيطرة الشائعات على حادثة ريان… وتضليل الرأي العام!

راما الجراح

ترقّب الملايين في المغرب والعالم مراحل إنقاذ الطفل ريان ذي الخمسة أعوام لحظة بلحظة. بعدما حبست عملية إنقاذه أنفاس ملايين المتابعين، ولاقت قصته تعاطفاً دولياً واسعاً، وشاء القدر أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وحيداً في وحشة ظلام البئر وبرودته، في زاوية بعمق ٣٢ متراً وعرض ٢٢ سنتيمتراً.

تحول الأمل إلى ألم، مأساة حقيقة عاشها ذووه بعدما كانت المعلومات تتضارب حول صحته من جهة، وعن أعمال الحفر والجهود المبذولة لإنقاذه من جهة أخرى، ولم يصل للرأي العام سوى فيديو وحيد للطفل تم تصويره نهار الأربعاء داخل البئر عبر الكاميرا يُظهر ريان على قيد الحياة من خلال حركة بسيطة قام بها، الأمر الذي زرع الأمل داخل نفوس الجميع بأن نجاته ليست مستحيلة.

بعدما تم رصد حركة ريان، أعلنت عدة قنوات إعلامية تبثّ مباشرة عمليات الحفر عن خبر مفاده أن فرق الإنقاذ استطاعت إدخال طعام ومياه لريان إلى البئر بالإضافة إلى إنزال مضخة أوكسيجين لمساعدته على الصمود أكثر ليخرج حياً، وهذه المعلومة الوحيدة التي جعلت الملايين يأملون أن يخرج ريان حياً بدليل ردود الفعل الايجابية على صفحات التواصل الاجتماعي السريعة لحظة إخراجه من البئر الى سيارة الإسعاف وتقديم التهاني بخروجه سالماً، لكن حدث ما لم يكن متوقعاً، وأعلنت السلطات المغربية وفاته حتى قبل أن يصل إلى المستشفى العسكري في الرباط.

معلومات مضلّلة وشائعات أحاطت حادثة ريان بكل جوانبها، ضلّلت الرأي العام ولعبت بمشاعر الكثيرين وأحبطت آمالهم، وأكد الصحافي الاستقصائي والمدرب على التحقق من المعلومات محمود غزيّل ذلك وقال لـ”لبنان الكبير” أن “هناك العديد من النظريات والشائعات حول وفاة الطفل ريان، وأغلب المعلومات المتنقلة غير صحيحة بتاتاً، وبشكل أساسي كمية المغالطات حول كيفية استخراج ريان كان مصدرها الصحف الصفراء في المغرب على منصات التواصل الاجتماعي والتي تسببت بإشاعتها على الفيسبوك ومجموعات الواتس اب، بالإضافة إلى التحليلات الغريبة العجيبة التي سمعناها على فيديوات النقل المباشر”.

وأضاف بالنسبة للمعلومات عن وضع ريان: “المعلومات عن أنهم استطاعوا إدخال الطعام له وتحرك بعدها جميعها غير صحيحة، وأكد على ذلك ذووه والأطباء، وكل ما حصل أنهم حاولوا فقط ضخ أوكسيجين له داخل البئر قدر المستطاع لمساعدته على الصمود أكثر في حال لم يمت بعد، ولا يوجد أي دليل ثابت على حركته ولا أنه استطاع تناول اي طعام، بالإضافة إلى أن كل المعلومات التي تداولها رواد التواصل الاجتماعي حول عمليات الإنقاذ خاطئة، وتوهم الناس أن حالة ريان ليست سيئة لهذا الشكل بسبب كل هذه الشائعات أو المعلومات المغلوطة عن غير قصد”.

وتابع: “المشكلة الأساسية كانت في الاخبار التي تناولتها مواقع الصحافة الصفراء المغربية، لأنها الوحيدة التي كانت متواجدة بشكل دائم في مكان الحادث أكثر من غيرها من الصحافة التقليدية، وحسابات منصات التواصل الاجتماعي وبالأخص فيسبوك كانت تنقل الصورة مباشرة مع معلومات أكثر من الإعلام التقليدي والمراجع المختصة، الأمر الذي خلق الشعور الزائف عند الناس بأنهم على إطلاع دائم على كل ما يحصل”.

وأشار غزيل الى أن “القنوات التلفزيونية مثل العربية، الجزيرة، الحدث، وغيرها لم يكن هناك مراسلون من فريقهم الأساسي في المغرب، واعتمدوا على أشخاص تم التعاقد أو التواصل معهم لتغطية هذه الحادثة، وفي الكثير من الأحيان كان هؤلاء الأشخاص هم من يحللون الأمور في البث المباشر وينقلون الصورة المغايرة للواقع، ومن جانب آخر فإن أغلب المهتمين بقضية الطفل ريان ليسوا ملمين بطبيعة المنطقة الطوبوراغية، ولا بآليات الحفر والاستخراج والإسعاف والطب، وبالتالي أصبح الجميع يدلي برأيه أن عملية الإنقاذ تأخرت، لكن الحرفية كانت بادية عبر البث المباشر، وشاهدنا جميعاً كيف وصلوا للطفل واخرجوه من البئر من دون أن يتأذى أحد وهذا دليل على العمل الصحيح والجبّار”.

وقال: “الكثيرون وقعوا في فخ نشر صور وفيديوات لا تعود للطفل ريان على منصات التواصل، واستخدام مشاهد للزعم زوراً أن ريان خرج حياً، وربما استقصدوا ذلك بهدف كسب تفاعل أكثر على صفحاتهم واستغلال هوس الناس بمعلومات عملية الانقاذ، وعلى سبيل المثال في لبنان هناك نواب وإعلاميون نشروا صورة وفيديوات خاطئة وتقويلات لمجرد تفاعل حساباتهم لكن المواد كلها غير صحيحة، وآخرها شائعات الرقم ٥ الذي يدل على عمره وعلى المدة التي قضاها في البئر في الوقت عينه والمعجزة الإلهية وغيرها”.

وختم حديثه متوجهاً برسالة إلى ناشري الأخبار المزيفة: “لا كلام لأولئك الذي ينشرون هكذا أخبار عن قصد، لأنهم طفيليات المجتمع ومن أسوأ أنواع الناس، أما ناشرو الأخبار المزيفة عن غير قصد، أتمنى أن تكون هذه الحادثة درسا لهم بضرورة التيقن والتأكد من مصادر مهنية والانتباه إلى مواقيت نشر المعلومات خصوصاً في ظل حادثة مثل ريان، لأن المعطيات تتغير كل دقيقة”.

شارك المقال