“المواجهة” سلاح المرأة الوحيد في طرابلس!

إسراء ديب
إسراء ديب

ليس خافياً ما تُواجهه أيّ امرأة في طرابلس من مصاعب معيشية واجتماعية. فإذا كانت حقوقها السياسية والادارية في البلاد تصطدم بمجموعة من العراقيل “الذكورية” التي تحدّ من دورها ودور أيّ امرأة في لبنان، إلا أنّها تُواجه كلّ العوائق الاجتماعية والاقتصادية بأسلحة تدفعها لتكون الأقوى والأكثر صلابة لتحمل أيّ صعوبة تجعل منها ضعيفة، ركيكة، وهشة أمام أيّ ثغرة حُفرت بين أحياء ومناطق هذه المدينة التي واجهت أعنف المعارك وأقسى الظروف.

وفي يوم المرأة العالمي، لا يُمكن تحديد صورة واحدة لها في طرابلس، فهذه المرأة المتعلّمة والمثقفة المشاركة الأساسية في المجتمع المدني ونشاطاته، أو الثائرة التي شاركت بكلّ قوّتها في فعاليات “عروس الثورة” متنقلة من مدينة الى أخرى للتعبير عن آرائها بحضور قوي، أو تلك التي لم تتمكّن من إكمال مسيرتها التعليمية لظروف ما، تحظى بميزات شخصية وأدوار متنوّعة فرضتها الظروف والمراحل المختلفة التي عصفت بالفيحاء، فأثمرت آلاف الإنجازات والعطاءات في مجالات مختلفة لم تُؤثر على المستوى المناطقيّ فحسب، بل على المستوى الوطنيّ أيضاً.

بإرادة صلبة، تتمكّن هذه المرأة من مواجهة الفقر والحرمان، فتحاول جاهدة إيجاد أيّ فرصة عمل تدفعها لتكون المعيلة الوحيدة لعائلتها وأطفالها، ومن يتجوّل بين الأحياء الشعبية، يلمس فعلياً المئات من الحالات التي تلعب فيها المرأة أدواراً عدّة كأم، وأبّ، ومعيلة أساسية، في ظلّ ظروف قاهرة تجعلها وحيدة في احتضان أولادها معيشياً، فتحرم نفسها من كلّ حقوقها لتضمن حياة كريمة لهم، ولم تدفن أيّ منهنّ رأسها “في الرمل” أبداً، ولم تستسلم يوماً مهما بدت هذه الظروف قاسية وغير ملائمة.

وإذا أردنا الحديث عن صفة الصلابة، فلا بدّ من ذكر أمّهات الموقوفين الاسلاميين اللواتي يُدافعن في كلّ لحظة عن حقوق أبنائهنّ حقوقياً وإنسانياً، إذْ لم تُسلّم أيّ منهنّ باهمال الرسميين لملف وضع في الأدراج ولا يُفتح أو يُذكر إلّا لغايات سياسية وانتخابية بحتة.

وإذا أردنا الحديث عن صفة الحكمة، فيُمكن الحديث عن أمّهات وزوجات الشهداء الذين ذهبوا ضحية معركة، موقف، حرب أو انفجار فأودى بحياتهم، ما دفعهنّ إلى التمسّك بالصبر والثبات على الإيمان لأعوام عدّة.

وإذا أردنا الحديث أيضاً عن صفة الصبر، فلن ننسى أمّهات الشبان الطرابلسيين الذين غادروا منازلهم ولم يعودوا إلى أحضان أمّهاتهم بعد، ما يُذيق المرأة – الأم مرارة الحياة والخوف المستمر على طفل أفنت جسدها من أجله ولم تفرح به رجلاً يتحمّل مسؤوليته في هذه البلاد كما كانت ترغب، بل رأته بين إرهابيين سرقوا طموحها وعزة نفسها، ليقّدموه إليها ضحية جاهزة للدفن بعد أيّام أو أسابيع قليلة، وهي لا تزال تُكافح لتعرف مصير أبنائها في غربة موحشة ومجهولة، وتنتظر “فلاناً وعلتاناً” ليُخبرها بأيّ معلومة صغيرة قد تُريح نفسها التي يكبتها الحزن والغضب.

وإذا أردنا الحديث عن صفة الجهاد، فهي تُجاهد باستمرار في قطاعات مختلفة أبرزها قطاع الخياطة والتطريز الذي تُبدع فيه في ظلّ قيام مؤسسات وجمعيات متنوّعة بتشجيعها على العمل اليدويّ لأعوام، كما عبر المشاركة في رعاية الأيتام والنشاطات الاجتماعية التطوّعية لمساعدة المحتاجين، ونشاطات أخرى توعوية مع وجود ورشات عمل مختلفة تُشارك فيها حتّى لو انتقلت من منطقة إلى أخرى سيراً على الأقدام للوصول إلى مراكزها، رغبة منها في تطوير قدراتها وتمكين نفسها على مواجهة الصعاب ليكون العلم هو سلاحها مهما كان توجهه.

وإذا أردنا الحديث عن صفة القوّة، فهذه السيّدة التي اعتادت على أصوات الرصاص والقنابل، والانتقال بين حيّ وآخر في ظلّ اندلاع أكثر من عشرين جولة عنف لحماية عائلتها بكلّ جدّية وحرص، يمكنها تحمّل مسؤولية أيّ أمر آخر، وهذه القوّة التي نمت في داخلها تدفعها لتكون “قائدة” بأسلحة تُواجه فيها كلّ ما يعترضها.

وأخيراً، إذا أردنا الحديث عن صفة الوعي، فتظهر جلّياً عندما يرتفع صوت تلميذة ليصدح رافضاً التحرّش بها في المدرسة، ما يُؤدّي إلى فتح ملف قضائي يجلد المتحرّش بسبب دعم النساء الطرابلسيات لبعضهنّ البعض اجتماعياً، وقضائياً وعدم تخلّي أيّ منهن عن حقوقهنّ وحقوق الضحية مهما بلغت الشخصية المتحرّشة من قوّة ونفوذ!

شارك المقال