رمضان في صيدا… أسواق متخمة وجيوب فارغة

تالا الحريري

الضائقة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان منذ أكثر من سنتين، تسبّبت بأزمات معيشية وإجتماعية خانقة لدى المواطنين. وكبرت هذه الأزمات شيئاً فشيئاً وبات المواطنون يكافحون لكسب لقمة عيشهم. ولم يعد في قلب التجار والبائعين أي رحمة ليرأفوا بالفقراء، فيما انعدمت الطبقة المتوسطة في لبنان ولم يعد هناك سوى طبقتين غنية وفقيرة وأكثر من 80 بالمئة من الشعب بات تحت خط الفقر.

ارتفع سعر كل المواد الأساسية والثانوية وأصبحت أبسط حقوق المواطن حلما يسعى ليلاً ونهاراً لتحقيق جزء بسيط منه. إضافةً إلى ذلك بات اللبناني يتقشّف أكثر فأكثر كي يمضي يومه على خير، لكن مع حلول شهر رمضان كيف للمواطن أن يتحمل كل هذه الأعباء؟ وكيف له أن يطعم نفسه براتب لا يكفي لمائدتين أو ثلاث؟ هل فعلاً سيفطر الصائم على كأس من الماء وحبّة تمر أو يتقاسم مع أفراد عائلته صحن الفتوش الذي بات يكلّف ثروة، ويجعل طبقه الثانوي رئيسياً ليسكت به جوعه ويتخلّى تماماً عن الحلويات لأنّ أسعارها تمرمر الفم بدلاً من تحليته.

ولا تسمح الحال بتقديم سفرة متواضعة حتى، وسيتخلّى المواطنون عن عزائمهم ويكتفون بأطباقهم الخاصة والمحدودة. وفي مدينة من مدن لبنان المشهورة بمأكولاتها وآثارها والأهم بحلوياتها، صيدا، التي يقصدها الجميع، كيف ستمر أيام رمضان عليهم في ظل هذه الضائقة؟ وهل ما زالو يقصدونها كالسابق؟

في لمحة سريعة عن الأسواق في صيدا، كأي سوق في أي مدينة خفّ البيع وخفّت الحركة لكن لم تنعدم. “هناك إقبال” حسبما أشار أحد المسؤولون في صيدا وهذا يعود إلى “تعدد الجنسيات بشكل واسع في منطقة صيدا الذين يتقاضون الفريش دولار من منظمات أو يحصلون على شهريات ثابتة”.

بالنسبة للخضار “كيلو البندورة الموجود في سوق الحسبة بسعر 8 آلاف ليرة، يباع على البسطات أو في سوق الخضار بـ25 ألف ليرة. إذا نظرنا الى السابق نرى أنّ الناس كانت تشتري 3-4 كلغ من البندورة وكانت يومية البائع 70-80 ألف ليرة، أمّا اليوم ما عادت الناس تشتري أكثر من كلغ واحد وبات البائع يبيع 40 كلغ في اليوم بدلاً من 200 لكن يوميته ارتفعت إلى 200 ألف ليرة. وبالنسبة للفتوش بدلاً من أن يحضّر المواطن جاطاً من الفتوش، سيحضّر صحناً حسب حاجته”.

وبالنسبة للجزارين “كان الجزار يبيع 150 كلغ في اليوم وكانت يوميته 500-600 ألف ليرة وكان هذا المدخول يكفيه لمدة أسبوع وأكثر، لكن اليوم بات المواطن يشتري نصف كلغ فقط والجزار يبيع حوالي 50 كلغ فقط مما يعني أن البيع خفّ بنسبة 70% لكن يوميته أصبحت 700-800 ألف ليرة غير ذات قيمة بسبب تراجع قيمة الليرة”.

أمّا السمك، فأفاد أحد العاملين في ميناء صيدا أنّ “السمك في الأيام المقبلة لا يعني للكثير، فالناس تكون مشغولة بالتحضير لرمضان وللصوم ولا تهتم بالسمك. لأنّ السمك مزاج، فالكثير يعتبرون أنّ تحضيره يعكس مزاجه العالي. ولم يعد اليوم هناك أصحاب مزاج، فراتب المواطن يطير بين دفع إشتراكات وفواتير ومستلزمات فكيف له أن يكون سعيدا؟ جزء كبير منّا غير قادر على تحضير سفرة كالسابق”.

في المقابل، أفاد مواطن بأنّ “المطاعم في صيدا ممتلئة. يوم الأحد اصطحبت أولادي للتنزه قبل قدوم رمضان وأردنا أن نتغدّى لم نجد مكاناً في المطاعم. يعني بشكل عام الناس ما زالت تخرج لتأكل وتشرب بنسبة عالية جدّاً. هناك البعض محتاج لكن لم تنتهِ حياة الناس بشكل عام، فالأشغال تراجعت وكان المواطن يستطيع أن يقضي كل حاجاته بـ400-500 ألف ليرة لبنانية”.

هذا يشير إلى أنّ هناك إهتزازا في سوق صيدا والكلّ يواكب موجة الغلاء، هناك تحرّك للمواطنين لكن ليس كالسابق، فالمواطن لا يستطيع الصرف كما كان يدفع من قبل، والواقع أنّ الرفاهية لم تعد من عادات أو ميزات اللبناني هذه الايام.

بالإنتقال إلى الحلويات لم يكن لسهرة المواطن في رمضان أن تخلو من تنوع في أصناف الحلويات، لكن اليوم صحن صغير من صنف واحد يكفي. وإذا تكلّمنا عن الكنافة التي تشتهر بها محال الحلويات في صيدا في صنعها وإتقانها، نرى أنّ كعكة الكنافة في المحال الصغيرة المتواضعة باتت تراوح ما بين 30 و35 ألف ليرة بينما في المحال الكبيرة المشهورة تصل إلى 60 ألفا. ويقول أحد المواطنين: “كنا كل يومين أو ثلاثة نقصد محال الحلويات لنأكل الكنافة ونطلب زيادة جبنة، لكن اليوم بعد هذا الغلاء بتنا نأكلها كل شهر مرّة إذا استطعنا إلى ذلك سبيلا”.

وغابت الزينة المتجددة في صيدا، لكنّ البلدية تلجأ إلى الزينة عينها منذ 4 أو 5 سنوات، يعني لا يوجد صرف أي ميزانية لها.

وعلم “لبنان الكبير” من مسؤول في بلدية صيدا أنّ “هناك جمعيات تقدّم المساعدات في صيدا خلال شهر رمضان وبدأت تحرّكها منذ حوالي أسبوع أو عشرة أيام، وهناك بعض المرشحين للانتخابات يقيمون إفطارات مفتوحة”.

شارك المقال