حلم الزواج في لبنان… زفة وبيت بالإيجار “ع قد الحال”

جنى غلاييني

منذ الصغر تتردد على مسامع البنات والصبيان عبارة “وقت فرحتك أو نفرح منك”، لكن على ما يبدو أن الفرح في بلد يتخبط بأزمات غير مسبوقة، بات حلماً بعيد المنال لدى شريحة كبيرة من الناس خصوصاً أولئك الشبان والشابات الذين قرروا الارتباط والاحتفال بيوم الفرح الموعود، الا أنهم صاروا في أحسن الاحوال يفرحون وحدهم ليس أنانية منهم بل لأن الامكانات المادية تحاصرهم من كل الجوانب، حتى أن فرحتهم باتت منقوصة ومنغصة بكل أنواع الهموم والمشكلات قبل خطوة الزفاف، وهذا ما يفسر تراجع نسبة الزواج في السنوات القليلة الماضية بحسب الشركات الاحصائية.

من المتعارف عليه أن خطوة الزواج أساسية، ويفترض أن يكون الطريق اليه مفروشاً بالسجاد الأحمر ومزيناً بورود الحب وصولاً الى القفص الذهبي… وفي العادة يكثر الاسراف في موسم الزفاف، بدءاً من المعازيم والمطعم أو الصالة والطعام والحلويات والزهور والموسيقى والألعاب النارية وفستان العروس وبدلة العريس وسيارة العروسين وغيرها من التفاصيل التي تعني اللبنانيين بشكل كبير… ولكن كل ذلك تبخر ليصبح مجرد أحلام بسبب الكلفة الباهظة لاقامة الأعراس في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية والارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار وتدني قيمة الليرة اللبنانية.

الأمور انقلبت رأساً على عقب كحال البلد، ما اضطر الكثير من اللبنانيين إلى التخلي عن متطلبات ولوازم إقامة حفل الزفاف الكبير، والارتضاء بزواج بسيط “عالضيق” و”ع قد الحال”، واقامة حفلات متواضعة تجمع المقربين جداً من العائلة، اضافة الى التخلي عن فكرة شراء منزل حتى لو كان متواضعاً لأنه يفوق كل الامكانات لا بل بات أمراً مستحيلاً في ظل الظروف المتردية، مع العلم أن مصرف الاسكان أعلن عن خطة تتعلق بالقروض السكنية ولكن وفق شروط بدت مستعصية وغير ملائمة لشباب يعمل في مؤسسات ضمن بيروت وبمعاشات أقل بكثير مما حددها الاسكان. وهذا ما دفع الكثيرين إلى البحث عن البدائل، من خلال العودة إلى السكن في بيت واحد مع الأهل، خلافاً لحلم كل شخص بأن يكون له مسكن خاص عندما يتزوّج ويؤسِّس أسرة خاصة به.

لينا وأحمد، المخطوبان منذ نحو ثلاث سنوات لا يزالان يكافحان لتأمين كل احتياجات زواجهما. ويقول أحمد: “قبل اشتداد الأزمة الاقتصادية كنا نقول (شدّة وبتمرق) وحالما تنتهي نجهز كل أمورنا، وكنا متفائلين بعودة الدولار الى الـ1500 ليرة، ولكن لا الدولار بخير ولا الأسعار معقولة ونحن نغرق أكثر فأكثر”.

أما لينا فتتحسر على عدم شراء بيت، وتقول: “كنا نفكر في أن نتملك بيتاً بدلاً من الاستئجار ونبدأ بتجهيزه، وأن نقيم أحلى عرس مع أحبائنا وأصدقائنا، ونقوم بالكثير من الأشياء التي تسعدنا، وللأسف كلها اختفت من بالنا، وصرنا مشغولين في كيفية تأمين لقمة عيشنا فقط. وفي حال استمر الوضع يزداد سوءاً ومعاشاتنا في مسار انحداري، فسنظل مخطوبين الى ما شاء الله، والا نكتفي في النهاية بزفة بسيطة ومتواضعة ونسكن في بيت بالإيجار”.

حال لينا وأحمد كحال آلاف الشباب في لبنان الذين يتحسرون على الوضع المخزي الذي حرمهم من فرحة العمر التي كانوا يحسبون لها ألف حساب، وهذا ما تقوله سارة العروس التي كانت تحلم بيوم تلبس فيه الفستان الأبيض وتدخل الصالة لملاقاة أحبائها وهم يشاركونها الفرحة ويصفقون لها وهي ترقص مع شريك حياتها الرقصة الكبرى، لكن كل هذا بات مجرّد حلم بالنسبة اليها والى شريكها عندما وجدا أنّ مصاريف الزفاف وشراء منزل وتأثيثه تحتاج الى العمل دهراً لتأمينها، وتقول: “منذ سنتين وأنا لا أزال أجهز بيتي وهناك الكثير والكثير بعد ينقصه، مع العلم أنّ البيت بالإيجار والله أعلم ما إذا سيزيده صاحبه علينا، فإذا كانت دولتنا الكريمة لا تراعي شعبها وشبابها فهل سيراعينا صاحب البيت؟”.

وتضيف: “يوماً بعد يوم أتراجع عن فكرة إقامة حفل زفاف، فلا أمل في ذلك، ولا شيء يساعد أو يشجع، الوضع الأمني ليس بخير، والوضع المالي من سيء الى أسوأ، والوضع السياسي مكهرب دائماً. وأنا أحسد من يملك المال ليفعل كل ما يحلم به، اما بالنسبة الينا فلا ندري من أين نبدأ، واذا بدأنا لا نعرف كيف ننتهي، لذا فالأفضل عدم إقامة حفلة عرس والاكتفاء بالزفّة بحضور العائلة، مش ناقصنا ديون ووجع قلب”.

أما ريتا وماجد، فقرّرا المخاطرة، عن طريق المشاركة في دفع تكاليف الزفاف وتجهيز البيت، وكما يقول ماجد: “نفدت بريشي، فقد اشتريت البيت قبل انهيار الليرة، وأثثته ولكن هناك بعض النواقص، أمّا حفلة العرس فنبحث عن صالة جميلة تكون على قدر إمكاناتنا ونستغني فيها عن العشاء ونكتفي بضيافة خفيفة نظيفة”.

وهناك فئة من الشباب تجد صعوبة في التخلي عن العادات والتقاليد التي تربت عليها، على الرغم من عدم قدرتها المادية، ما يدفعها إلى الغرق في الديون لاحياء حفل الزفاف الموعود على أكمل وجه.

 

 

 

 

شارك المقال