جدري القرود… هل يواجه العالم وباء جديداً؟

تالا الحريري

لم يمض الكثير من الوقت على خروج العالم من فيروس شديد الخطورة ليواجه مرضاً ليس قديماً لكنّه إتخذ قالباً جديداً. وحالة الهلع التي يعيشها سكان العالم بعد إنتشار مرض جدري القرود ليست جديدة، بل رافقتنا لسنوات نتيجة جائحة كورونا. وفور ظهور جدري القرود، توسّع وإنتشر في 12 دولة وتم الابلاغ عن حوالي 92 إصابة مؤكدة و28 مشتبهاً بها. فهل من تقارب بين فيروس كورونا ومرض جدري القرود؟ وما إمكان إنتشاره والقدرة على إحتوائه؟

كالعادة عند ظهور أي مرض أو فيروس جديد تبدأ المقارنات والتوقعات حوله، ويباشر الباحثون إلى جانب منظمة الصحة العالمية الدراسات والتحليلات والاختبارات للإسراع في إيجاد علاج يحمي من كارثةً صحية ومرضية أكبر.

العالم اليوم أمام مرض جديد يعتقد البعض أنّه أشد فتكاً من كورونا، ولكن علمياً جدري القرود من مجموعة DNA أي أن تحورات هذا المرض تكون أبطأ من مجموعةRNA التي يندرج تحتها فيروس كورونا، وهذا سبب تحوره السريع. لكن هذا لا يمنع إنتشار مرض جدري القرود أو تحورّه خلال مرور الوقت، فقد توقعت منظمة الصحة العالمية رصد المزيد من حالات الإصابة به، في الوقت الذي توسع نطاق المراقبة في البلدان التي لا يوجد فيها المرض عادة، إلى جانب الحجر الصحي الذي فرض في بلجيكا على المصابين به مما أعاد المخاوف التي واكبت جائحة كورونا.

ولدى المقارنة بين جدري القرود وكورونا، نرى أنّ هناك تقارباً، إذ أنّهما ينتقلان من خلال الأسطح والقطرات التنفسية، إضافةً إلى سرعة تأقلم مرض الجدري في البيئة الموجود فيها. هو وباء إقليمي موجود في الأساس في غرب أفريقيا، متوسط الشدة، إتخذ طابعاً دولياً بسبب الحالات التي إنتشرت. يؤثر بشكل خاص على الأطفال والحوامل ومنقوصي المناعة كما يمكن أن يترك ندبات أو تشوهات على الوجه أو الجسم بسبب البثور. والمصاب بجدري القرود يحتاج إلى العزل لمدة 21 يوماً عند ظهور الأعراض.

ويرى إستشاريو الأمراض أنّنا لسنا أمام جائحة مثل كورونا، وأنّ الدول قادرة على إحتواء هذا المرض نتيجة خبرتها في مكافحة كورونا وقدرتها على التحكم بطريقة أفضل. كما صدرت تطمينات من منظمة الصحة العالمية التي أكدت عدم تسجيل أية حالة وفاة بسبب جدري القرود، الذي لا يختلف كثيراً عن مرض الجدري العادي، لذلك فإنّ لقاح الجدري يمكن إستخدامه لهذا المرض لأنّه يحمي بنسبة 85%، كما أنّ المناعة ضد الجدري هي نفسها ضد فيروسات أخرى من العائلة نفسها (من صنف المرض نفسه)، أي أنّ المصاب بالجدري التقليدي أو الملقح ضدّه لديه حماية مرتفعة ضد جدري القرود. ولكن بالطبع يمكن لهذه المناعة أن تتراجع مع مرور الوقت خصوصاً عند عدم الالتزام بالاجراءات الوقائية مثل غسل اليدين والتعقيم المستمر ووضع الكمامة.

ما يخفف من خطورة هذا المرض هو وجود لقاح الجدري الذي توقفت الدول عن إستخدامه منذ نحو 40 عاماً، ويمكن تطويره بما يتناسب مع المرض الجديد وإعادة إستخدامه. كما أنّ تصنيع أي لقاح أو دواء جديد ضد جدري القرود سيكون أسرع نتيجة التعامل السابق مع هذا النوع من الأمراض بعكس كورونا الذي ظهر لأول مرة، إضافة إلى مضادات الفيروسات التي أقرتها إدارة الغذاء والدواء FDA كالـ cidofovir وtecovirimat التي تعتبر كعلاج داعم إلى جانب اللقاح لكنّها غير متوافرة في جميع دول العالم أو بكميات كبيرة.

ربّما يعود الانتشار السريع لهذا المرض إلى إستهتار المواطنين بالنظافة الشخصية وإجراءات السلامة العامة ورفع القيود والحواجز بين البلدان وكثرة المسافرين. فعلى الدول اليوم أن تكون أكثر وعياً في إحتواء هذا المرض الجديد وتدارك الاصابات، لذلك يجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة والعودة الى التقيّد بإجراءات السلامة. وعلى منظمة الصحة العالمية إطلاق إنذار قبل حدوث أي إنفجار صحي، كما يجب دعم بعض الدول خصوصاً النامية منها لناحية الأدوية واللقاحات.

شارك المقال