البقاعيون باعوا ذهبهم ورهنوا منازلهم لتركيب الطاقة الشمسية

راما الجراح

عندما تنشط حركة ألواح الطاقة الشمسية في السوق من المفترض أن يكون هذا مؤشر الى الاتجاه نحو الطاقة البديلة الناشطة عالمياً ودلالة على التطور والانتعاش الاقتصادي. أما في لبنان فنشطت حركة الطاقة الشمسية كردة فعل معكاسة تماماً لما هو متعارف عليه عالمياً، وهي نتيجة عمق الأزمات التي تعاني منها البلاد وأدت إلى حرمان الشعب من الكهرباء.

الخوف من العتمة والقلق من عدم توافر مادة المازوت، أو عدم التمكن من شرائها أصبح هاجساً لدى غالبية المواطنين وخاصة في البقاع الغربي، الذين طالبوا كثيراً بتوفير الطاقة لبلدتهم على الرغم من وجود محطة كهرباء في منطقة جب جنين، إلا أن كل المساعي باءت بالفشل لأن مَن يمسكون زمام الأمور يتحكمون بالبلدات التي يحق لها أن تنعم بالكهرباء على حساب أخرى. وهذا العجز في الوصول إلى حلول قريبة دفع الأهالي الى البحث عن مصدر بديل للطاقة ووجدوا في “الشمس” أملاً يستنجدون به لتوفير الطاقة لمنازلهم.

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير” مع رئيس بلدية جب جنين السابق عيسى الدسوقي، قال: “جب جنين قدّمت لمصلحة نهر الليطاني ما يزيد عن ١٠٠٠ دونم من أراضيها، ومساحة كبيرة من العقارات، ومعروف أن مركز محطة الكهرباء أيضاً فيها ويدخل عليه توتر عال يؤثر على عامل الاستثمار داخلها، وبعد كل هذا نُكافأ بالحرمان من أبسط حقوقنا، ويُحكم علينا بإستنشاق روائح نهر الليطاني الكريهة بسبب التلوث، وتحمل وجود محطة تكرير إضافة إلى كل ما ذُكر من دون أن ننعم بالكهرباء، وهذا ظلم كبير لنا”.

أضاف: “المعروف أن غالبية أبناء جب جنين موظفون في القطاعات العامة، ونتيجة الظلم الذي نعيشه، اضطر قسم كبير منهم إلى بيع سياراتهم، أو رهن منازلهم، أو ما يملكون من ذهب، لتركيب ألواح طاقة شمسية بسبب التقنين القاسي جداً، مقابل عدم استطاعة أصحاب مولدات الكهرباء توفير التيار في النهار، إضافة إلى بعض العائلات التي استطاع أبناؤها إرسال مبالغ مالية بسيطة لمساعدتهم، لأن المغتربين في منطقتنا لا يملكون ثروات كبيرة تمكنهم من تأمين طاقة شمسية لأكبر عدد من الناس”.

وأكد أن “غياب الدولة التام اضطر كل شخص إلى تأمين حاجاته وفقاً لقدراته المادية أي على مقولة (أخدم نفسك بنفسك)، ونأسف لذلك، ولغاية اليوم لم يثمر أي جهد في هذا الموضوع”، متمنياً “أن يكون هناك حل قريب، لأن هناك اقبالاً كبيراً في كل مناطق البقاع الغربي تقريباً على تركيب ألواح الطاقة الشمسية، ومَن لا تسعفه حالته المادية (عايش ببهدلة)، لأنه ينتظر الكهرباء لإشعال القازان للاستحمام، أو تشغيل الغسالة والمكواة وموتور المياه وغيرها، أي أن الحياة تقف عند ساعة الكهرباء”.

وأشار المهندس محمد فرحات، من شركة “Autigro” الى أن “هناك إقبالاً كبيراً على تركيب ألواح الطاقة الشمسية على صعيد لبنان، وخاصة في منطقة البقاع. وتعتبر منطقة البقاع الغربي من المناطق المحرومة من الكهرباء بصورة دائمة بسبب التقنين القاسي من جهة، وغلاء مادة المازوت التي وقفت حاجزاً لتشغيل مولدات خاصة من جهة ثانية، إضافة إلى أن الكثيرين أصبحوا عاجزين عن سداد فواتير الاشتراك بسبب ارتفاعها. وكذلك الأمر بالنسبة الى منطقة زحلة والبقاع الأوسط، فعلى الرغم من توافر الطاقة في تلك المناطق إلا أن الأهالي أصبحوا يلجأون إلى الطاقة البديلة بسبب الفواتير المرتفعة”.

وتابع: “يمكننا القول ان هناك حوالي ٦٥٪ من المنازل قامت بتركيب ألواح طاقة شمسية في قضاء البقاع الغربي وراشيا، وغالبية البيوت حالتها المادية ميسورة وعادية جداً ولو لم يستعن أصحابها بأقربائهم وأبنائهم في بلاد الاغتراب لما استطاعوا تركيبها، إضافة إلى أن هناك أناساً قاموا ببيع أثاث منزلهم وأراضيهم للحفاظ على مصالحهم، ومثال على ذلك شخص يملك منشرة خشب قمنا بتركيب ألواح طاقة له بعدما باع قطعة أرض كان يملكها ليستمر في عمله وإلا كانت ستتوقف مصلحته”.

وتوقع فرحات “أن يتجه لبنان في السنوات المقبلة نحو نظام الطاقة البديلة، وحتى الآن كلفتها عالية جداً مقارنة بالبلدان الأخرى لأنها تعتمد على عاملين: الأول الأسعار العالمية (الاستيراد)، والثاني العرض والطلب. وهناك منافسة كبيرة في السوق، وعلى سبيل المثال تكلفة تركيب ٧ أمبير نهاراً و ٢ أمبير ليلاً تتراوح بين ٢٠٠٠ إلى ٢٥٠٠ دولار، وهذا هو الشق السلبي حتى الآن في الطاقة الشمسية أننا لا نستطيع تخزين كميات كبيرة من الطاقة بمبالغ قليلة، بل العكس ندفع مبالغ كبيرة مقابل تخزين كمية قليلة”.

بدورها، أكدت ميساء صميلي، وهي من أوائل الأشخاص الذين قاموا بتركيب طاقة شمسية في بلدة غزة في البقاع الغربي أن “هذه الظاهرة بدأت تنتشر في بلدة غزة في أول صيف ٢٠٢١، وكُنت من أوائل الأشخاص الذين ركبوا ألواح طاقة شمسية، وقد اعتمدنا على الـ cashmoney ودفعنا قرضاً، ولكن اليوم بعد حوالي أقل من سنة أصبحت الأمور أسهل، وهناك عروض بالتقسيط، ولا شك أن أموال الاغتراب ساعدت العديد من البيوت في الاعتماد على الطاقة البديلة بحكم تواجد أعداد كبيرة من أبناء بلدتنا في الخارج، وأصبحت ٨٠٪ من المنازل في غزة تعتمد على الطاقة الشمسية”.

شارك المقال