رحلة البحث عن “دم”

آية المصري
آية المصري

من يقرأ هذه القصة يظنها غريبة أو مبالغ بها لكنها في الواقع قصة حقيقية وجميع عناصرها ليست من صنع الانسان، بل من صنع دولتنا “الكريمة” وسلطتها المهترئة.

عبير، شابة تحاول بشتى الوسائل والسبل تأمين وحدات الدم المطلوبة لأحد أفراد عائلتها بصورة دائمة، وعملية البحث عن متبرع بالدم كل مرة باتت شبيهة بعملية البحث عن كوكب جديد في مجرة درب التبانة وتتطلب وقتاً طويلاً. ساعات، أيام، أسابيع وربما أشهر من أجل الحصول على هذه الوحدات، بحيث بات يلازمها سؤال واحد: كيف تؤمن وحدات دم بأسرع وقت ممكن؟ ولم تكن تحصل على إجابة واقعية ومنطقية. الحالة طارئة ومستعجلة من أجل الحصول على الدم المطلوب، وفي الوقت نفسه يزداد الوضع صعوبة والمشكلات تتوالى وتكاد لا تنتهي.

وباء كورونا ساهم في زيادة الأوضاع سوءاً وجعل الناس يخافون من التبرع، اضافة الى الأزمات المعيشية والاجتماعية التي ساهمت في اعتقادهم أن بإمكانهم الإفادة من دمهم وأعضائهم مقابل مبالغ مادية معينة، ناهيك عن مشكلة إرتفاع أسعار المحروقات اليومية التي جعلت المواطن يحسب ألف حساب قبل أن يقصد أي منطقة تبعد عن منزله أو مكان عمله أكثر من دقائق.

اذاً، هي رحلة عذاب متواصلة تعيشها عبير كل مرة نتيجة تعثر الحلول والانهيار الذي يفتك فتكاً ذريعاً بكل القطاعات وتحديداً القطاع الصحي. فوزارة الصحة لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأعباء من جهة، والمستشفيات الخاصة همها الوحيد كيفية زيادة رصيدها المالي من جهة أخرى، أما المستشفيات الحكومية فلا تملك العلاجات والأدوية اللازمة. فضلاً عن ذلك، لم يعد الضمير الانساني والمهني من يحرك معظم الأطباء بحيث تشعر وكأنهم تحولوا الى تجار لا يرضىون القيام بالفحوص المخبرية والعمليات اذا لم يجنوا من ورائها مروداً مالياً عالياً.

والأهم في هذه الحالة أن عبير لا تجد أكياس دم من مختلف الفصائل، واذا وجدت فيكون الوقت قد مضى ولا يفيدها ذلك بشيء، بل وكأنها عادت الى نقطة البداية. في المقابل، وجدت عبير صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تعنى بمساعدة المريض المحتاج الى علاج أو دم وبالامكان الافادة منها في بعض الأحيان، وليس الإعتماد عليها لأن المتبرعين ليسوا متواجدين 24/24 وبالتالي الأزمة تتفاقم مع الوقت. لذا، قامت عبير بانشاء قائمة بأسماء الأشخاص الذين تبرعوا سابقاً، وهي تعاود الاتصال بهم بعد مرور المهلة الكافية للتبرع، علها تلقى منهم استجابة مرة أخرى.

وفي حال أرادت الحصول على ما تحتاجه، يكفيها إتصال واحد عبر “الواسطة” بمراكز الإسعاف أو الصليب الأحمر المتواجدة في مختلف المناطق اللبنانية. فالمستشفيات الخاصة للأسف تطلب، في حال تأمّن المتبرع، ما يقارب الثلاثة ملايين ليرة لابقاء كيس الدم الواحد لديها لمدة محددة بـ24 ساعة حتى يتم فحصه والتأكد من خلوه من الأمراض. وهذا المبلغ يختلف ويزيد بين مستشفى وآخر وبين منطقة وأخرى. وفي حال عدم وجود متبرع وطلبت الوحدات اللازمة من بنك الدم التابع لمستشفى معين، فهنا الكارثة لأن المستشفى نفسه سيحولك من المختبر الى قسم المحاسبة ومن ثم الى قسم الدخول وبعدها الى الصندوق وكل هذا الوقت يهدر من وقت الحالة المرضية الطارئة التي تنتظر نقطة دم تروي عروقها… وبعدها يحدد المبلغ المطلوب بـ “الفريش دولار”.

عبير واحدة من الكثيرات والكثيرين الذين يتعرضون لكل هذه المضايقات والضغوط، وربما في حالتها يمكنها إيجاد مخرج لأزمتها المتواصلة، لكن هل الذين يشبهون عبير ويعيشون ما تعيشه يومياً بإمكانهم تخطي هذه المرحلة؟ وما المصير المكتوب للمرضى وأهاليهم في هذا البلد؟

شارك المقال