لبنان في المرتبة الأولى مجدداً… رقم قياسي للعنوسة

تالا الحريري

العنوسة، مصطلح يطلق على الأشخاص الذين وصلوا إلى عمر معين من دون زواج، من النساء والرجال. لكن حتى الآن لا معايير تحدد العمر الفعلي للعنوسة، إلّا أنّ غالبية المجتمعات العربية خصوصاً هي من تحدد عمر الفتيات اللواتي تخطين الـ25 سنة تقريباً من دون زواج، لتصنّفها بأنّها عانس، و”فاتها القطار”، ولكنها لا تطلق هذا الوصف على الرجل الذي وصل إلى عمر معين ولم يتزوج.

وغالباً ما تقع الأنثى تحت ضغط أهلها والمجتمع أكثر من الرجل، فعندما يقارب عمرها الثلاثين تبدأ نواقيس الخطر، لذلك تبقى هذه الفكرة هاجساً عند الكثير من الفتيات، وفي حال قررت إحداهن عدم الزواج، يُنظر إليها على أّنها قبيحة أو هناك عيب فيها أو أنّ حظها عاطل.

ومع التطورات التي تستجد يومياً وإنفتاح العالم أكثر فأكثر، بتنا نرى أنّ أولويات الكثير من النساء باتت العلم والعمل والاستقلالية، وتفضيلها على الزواج والارتباط، وبالتالي هل يجب إطلاق مصطلح العنوسة عليهن؟

في لبنان رصدت أعلى نسبة عنوسة بين الدول العربية وهي 85% ولا تزال أعلى نسبة منذ العام 2013، تليه تونس (81%)، فالعراق – الامارات – سوريا (70 وما فوق)، المغرب (60%)، الأردن (55%)، الجزائر (51% وما فوق)، مصر (48%)، السعودية (تتأرجح بين 10-40%)، ليبيا (35% وما فوق)، قطر(35%)، الكويت (35%)، اليمن(30% وما فوق)، البحرين (25% وما فوق) وفلسطين (بنسبة 12%). (هذه النسب تقديرية مصدرها مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث 2022).

لكل بلد من هذه البلدان أسبابه في العنوسة منها الحروب والصراعات، بطالة الشباب وتراجع قدرته المالية، الهجرة الكثيفة للشباب (الذكور)، غلاء المعيشة وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلد، اللجوء، إرتفاع نسبة التعليم خصوصاً لدى الفتيات، فيروس كورونا، عزلة الانترنت، اضافة إلى ارتفاع نسبة الاناث مقابل الذكور كعدد لسكان العالم. لكن يبقى السؤال على أي أساس تحدد العنوسة؟

أوضحت الدكتورة في علم الاجتماع أديبة حمدان لـ”لبنان الكبير” أنّ “العنوسة من الناحية الاجتماعية تفسر بعلاقتها بالعادات والتقاليد. وكما نعرف، لبنان مجتمع مختلط بين تقليدي وحديث. في المجتمع التقليدي اللبناني زواج المرأة ضرورة ومرتبط بقيمتها الاجتماعية، فإذا كانت متزوجة فهي مقدّرة من المجتمع أكثر. في عاداتنا وتقاليدنا يعتبر الزواج أساسياً والتأخر في الزواج غير مسموح وهذا ما يصنّفه المجتمع بالعنوسة. فأحياناً تأخير الزواج لا يتم بإرادة الشخص ولكن المجتمع يبدأ بمحاسبته ومعاقبته وعزله إلى حد ما إجتماعياً”.

أضافت: “في المجتمعات التقليدية وفي ظل ثورة المعلومات والتواصل الاجتماعي بدأت تتفكك العادات والتقاليد وتتغير القيم من مجتمع يحاسب إلى مجتمع يتقبل ويبحث عن مبررات، من هنا تضافر الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لتخلق جواً من الحرية والتسامح في تأخر سن الزواج أو عدمه”.

وتابعت حمدان: “في المجتمع الحديث هناك قسم كبير من اللبنانيين تقبل العنوسة والتأخر في الزواج واعتبره مرتبطاً بحرية الفرد وطموحه ورغباته وبالتالي لا أحد يلزمه بالزواج. لذلك نرى في بؤر اجتماعية معينة العنوسة أمراً سلبياً بينما في أوساط أخرى مختلفة يكون علامة غير فارقة ومقبولة اجتماعياً”.

وعن أسباب العنوسة، أشارت إلى أنّ “الأزمة الاقتصادية هذه الأيام هي السبب الرئيس في عدم الاقبال على الزواج، أمّا الأسباب الاجتماعية فهي التحرر، إذ بتنا نلاحظ ميل هذا الجيل وتوجهه الى اعتبار أنّ طموحه وانجازاته أهم من الزواج ويبحث عن حريته بعكس ما كان يبحث سابقاً عن ارتباط عائلي أو زوجي. كما نلاحظ في هذا الجيل أنّ هناك نزعة الى الأنا وإلى تحقيق الذات. هنا لا تكون الأسباب الاقتصادية وحدها المسؤولة بل الأسباب القيمية وتغير القيم والأفكار والمزاج والعادات هي السبب المباشر في تأخر الزواج”.

يعتبر الكثيرون أنّ فيروس كورونا كان العامل الأكبر في السنتين الأخيرتين لتأخر سن الزواج وإنعدام العلاقات الاجتماعية، وفي هذا السياق، قالت حمدان: “أعتقد أنّ الآثار النفسية لفيروس كورونا قد تؤثر على موضوع الاقبال على الزواج لأنّها حجبت التعارف والتجاذب والتفاعل الاجتماعي المباشر بين الأشخاص، وهذا من الممكن أن يتحول إلى برودة عاطفية. سنتان من قلة الاحتجاز والاختلاط والمناسبات الاجتماعية التي يمكن أن يتم التعارف خلالها. فيروس كورونا ضغط على الانسان اجتماعياً ونفسياً وغيّر السلوكيات والاقبال على الحياة. ولا ننسى أنه ساهم أيضاً في خلق الشجارات وتعثّر الكثير من العلاقات وكانت نتيجتها إلى حد ما سيئة على موضوع العنوسة وعدم الاقبال على الزواج”.

وبالنسبة الى التأثيرات النفسية، أكدت حمدان أن “التأثيرات النفسية على النساء خصوصاً لعدم الزواج أكبر، لأنّ المجتمع يقبل على محاسبة النساء أكثر من الرجال، وهذا يعود الى أنه مجتمع ذكوري، كما أنّه يبرر أكثر للرجل عدم الزواج بينما يتهم النساء بصفات غير لائقة أو ظالمة بحقهن. هناك نماذج من النساء تفخر بأنها لم تتزوج. فنحن في المجتمعات الشرقية يصيبنا ما لا يصيب الرجال”.

وشددت على أن “العنوسة محط نقاش ودراسة نظراً الى التغيرات الجذرية التي أصابت المجتمعات نتيجة ثورة المعلومات وغيرها، ومن الطبيعي أن نجد تمظهراً جديداً للعنوسة وتقبلاً إلى حد ما وتصنيفاً جديداً يتماشى مع كل هذه المتغيرات. فالعنوسة اليوم هي أكثر قبولاً وتفهماً اذا أردنا أن نفهم الصعوبات التي تواجه الزواج وتأسيس الأسر ويمكن أن لا نقرأها بالحدة والمعايير نفسها كما في السابق”.

شارك المقال