جريمة الحق بالقوة!

جنى غلاييني

كأنه مشهد من فيلم أو مسلسل هوليوودي، مودع يحتجز رهائن في مصرف “فدرال بنك” في شارع الحمراء طوال يوم أمس، مطالباً بوديعته المنهوبة والتي تصل الى 209 آلاف دولار، بل إنه يحظى بتأييد المودعين أمثاله ممن سرقت الدولة أموالهم، بعدما علم أنه أقدم على هذه الخطوة بسبب حاجة والده المسن إلى عملية جراحية تصل تكلفتها الى 50 ألف دولار. ويتضامن الجمهور معه على مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في الشارع، حيث حضر العديد من المواطنين مؤيدين بسام الحاج حسين البالغ من العمر 42 عاماً، على الرغم من محاصرة عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والمخابرات المنطقة، والقيام بمفاوضته، فيما اعتبره الكثيرون بطلاً لأنه يطالب بحقه.

هذا المشهد ذكرنا بفيلم دنزل واشنطن “جون كيو”، الذي يحتجز فيه البطل طاقم المستشفى رهائن من أجل القيام بعملية جراحية في القلب لابنه. وكذلك يشبه تضامن الجمهور مع السارقين في مسلسل “لاكاسا دي بابل” اذ اعتبرهم ثائرين على النظام الجائر، وهذا ما حصل في الرأي العام اللبناني الذي أكد تضامنه ووقوفه خلف المودع الذي خسر أمواله مثل الكثير من المواطنين.

المشهد غير مألوف إطلاقاً بالنسبة الى أي عملية سطو على المصارف بدافع السرقة، ولكن في لبنان فقط تنقلب الأمور لتكون المصارف هي من تسطو على أموال المودعين وتجعل من “الآدمي” مرتكب جريمة الحق بالقوة، فيجد نفسه حاملاً السلاح ليطالب بأمواله التي لم يجد لها مكاناً آمناً أكثر من المصرف.

3 طلقات تحذيرية أطلقها بسام من سلاحه في الهواء كانت كفيلة بعدها أن يعرض عليه المصرف مبلغ 10 آلاف دولار مقابل إخلائه، لكنه رفض العرض، معتبراً أن المبلغ أقل بكثير مما يريده. وذكرت “الوكالة الوطنية للاعلام” أن بسام هدّد بإشعال نفسه وقتل من في الفرع إذا ما لم يحصل على وديعته كاملةً.

وقال عاطف الحاج حسين شقيق بسام، الذي كان واقفاً خارج المصرف، لوكالة “أسوشيتيد برس” إن أخاه مستعد لتسليم نفسه إذا أعطاه البنك الأموال للمساعدة في تسديد الفواتير الطبية للمستشفى حيث يرقد والده ونفقات الأسرة، وقال: “أخي ليس وغداً، إنه رجل محترم، يأخذ ما في جيبه ليعطيه للآخرين”.

وأسف رئيس “مركز ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية” محمد زكور في حديث لـ”لبنان الكبير” لـ “الحادثة المأساوية التي نتوقع أن تتكرّر نتيجة الضغط والقهر اللذين يتعرّض لهما المودعون اللبنانيون، ونحن لا نبرّر هذا التصرّف، بل ندينه بشدّة وسوف نعالج هذا الموضوع من الناحية القانونية”.

وأوضح أن “قانون العقوبات جرّم احتجاز أيّة رهائن وحجز الحرية ووضعه في خانة الجناية وليس الجنحة، كذلك جرّم استعمال الأسلحة وتهديد الآخرين بإزهاق حياتهم بهذا النوع من الأسلحة. كما يجرّم القانون فعل الترويع أو التهديد بالقتل ولو أنّ أكبر ما قد ارتكبه هذا المودع هو احتجاز الرهائن”.

وقال: “السؤال المطروح هنا، هل من أسباب تخفيفية قد يحكم بها القضاء مراعاةً للظروف والضغط النفسي الذي يتعرّض له اللبناني عموماً والمودع خصوصاً؟ في الحقيقة هذه تخضع لتقدير القاضي واستنسابه، إذ له أن يفرض الحد الأقصى من العقوبة وله أن يفرض الحد الأدنى منها، فإن اجتهد القاضي واعتبر أنّ هذا الفعل يجب أن يكون الجرم فيه قاسياً منعاً لتكراره ونظرأً الى وجود آلاف المودعين مثل حالته، وليكون عبرة ورادعاً لغيره فيمكن أن لا يعطي المتهم أيّة أسبابٍ تخفيفية، أمّا إذا أراد القاضي ويستطيع أن يعتبر أنّ المتهم كان في حالة غضب وغليان شديد خصوصاً إن تبيّن من التحقيقات أنّه يتعرّض لضغوط صحيّة أو التزامات معينة عائلية وقام بهذا الفعل فيمكن للقاضي أن يعطي أسباباً تخفيفية، أي أن يعطي الحد الأدنى من العقوبة المسموح إعطاؤها”.

وأكد أنه “لا يجوز أن يقتص اللبناني من موظفين ومن رهائن فهؤلاء ضحايا مثله، ولا يجوز أن يأخذ حقه بيده وإلّا تحوّلنا الى شريعة غاب، مع أنّنا نتوقّع أن ذلك سوف يتكرّر نتيجة الظروف الضاغطة”.

لبنان تحوّل منذ زمن الى شريعة غاب حتى أصبح بلداً فوضوياً بكل ما للكلمة من معنى، وهذا ما نصح به المودع بسام من احدى نوافد المصرف المجتمعين خارجه حين قال لهم: “خدوا حقكن بإيدكن”.

جاءت نهاية هذه الحادثة التي استمرت طوال ساعات النهار سليمة وخالية من العنف والدماء بعكس أفلام الأكشن، اذ خرج الرهائن من دون أن يمسهم أي ضرر، وحصل بسام من المصرف على 35 ألف دولار من أصل وديعته. وعند خروجه من المصرف استقل مباشرة سيارة بيضاء كان فيها شقيقه وهي تابعة لفرع المعلومات متوجهين الى مركز قوى الأمن الداخلي حيث كان بانتظاره وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي.

شارك المقال