شبّان لبنانيون ينظّفون البيوت… و”الشغل مش عيب”

جنى غلاييني

“اقتحام” الرجال مهناً كانت حكراً على النساء أمر ليس بجديد، ولكن لم يكن متوقعاً أن يقرع شاب في مقتبل العمر باب المنزل لينظّفه بدلاً من العاملات اللبنانيات أو تلك الأجنبيات اللواتي غادرن لبنان مع انهيار الليرة اللبنانية، ولكن اليوم بتنا نصدّق ما نسمع وما نرى بفعل تداعيات أزمة اقتصادية هي الأسوأ على الاطلاق والتي دفعت معظم الشبان الذين يمتلكون شهادات علمية الى الهجرة بحثاً عن سبل العيش الكريم، أمّا من لم يكن لهم نصيب من التحصيل العلمي فأصبحوا على قائمة البطالة في بلد قلت فيه فرص العمل وتدنت الرواتب.

محمد البالغ من العمر 26 سنة، والذي أصرّ على عدم الإفصاح عن اسمه كاملاً، هو شاب على تلك القائمة، ففي العام 2021 كان يعمل سائقاً خاصاً لعائلة غنية في لبنان، ولكن بعد مغادرتها البلد نهائياً أصبح عاطلاً عن العمل غارقاً في ديونه ولا يعرف كيف يؤمن المأكل والمشرب لزوجته وولده. ويروي لـ”لبنان الكبير” قصته: “مع الأسف، أنا لا أملك شهادة علمية تخوّلني العمل في شركة أو أي مكان لائق، لكنني لست أمّياً فقد أكملت تعليمي حتى الصف العاشر واضطررت الى وقف دراستي لظروف قاهرة حينها ولم تسنح لي الفرصة لإكمالها لاحقاً. وحين بقيت من دون عمل لحوالي 6 أشهر، لم أتحمل الجلوس مكتوف الأيدي ولدي عائلة يجب الاهتمام بها، وبعد البحث عن وظائف ومحاولات فاشلة خطرت في بالي فكرة تنظيف المنازل وقلت لنفسي إنّ الشغل ليس عيباً وهذه المهنة ليست حكراً على النساء، فلمَ لا أعمل في تنظيف البيوت وأجمع قوت يومي؟ وهكذا بدأت بهذا العمل والناس لا تزال تستغرب عندما تراني أعمل في البيوت وهذا الأمر لا يزعجني بل يقوّيني، وعندما يسألني أحدٌ عن سبب اختياري لهذا العمل أجيب بأنني مضطر لأنّ رؤساء بلادنا أوصلونا الى هذه الحال”.

شبّان فقدوا الأمل واستسلموا للأمر الواقع فما كان منهم الا اختيار الانتحار حين وجدوا أنفسهم أمام حائط مسدود، فيما آخرون لم يرضخوا لهذا الأمر وحاولوا كسر الحواجز عن طريق مجابهة الواقع وتحدّيه. هذا كان حال مجموعة من الشبان اللبنانيين الذين اختاروا أن يكافحوا لتأمين لقمة عيشهم فعملوا في تنظيف المنازل من خلال شركة تنظيف محلية. ويقول أحد هؤلاء الشبان: “لن نقبل الرضوخ للأزمة المعيشية فكل واحدٍ منّا في رقبته عائلة يريد كل يوم أن يطعمها ويلبي احتياجاتها، ومهنة التنظيف لن تنقص من رجولتنا وهي ليست بالأمر المعيب إطلاقاً، لذا كل واحد منّا وجد نفسه مسؤولاً عن إيجاد أي عمل مهما كان مستواه في أعين الناس واستغلال فرصة كسب رزقه منه”.

علي شابٌ لا يزال يكافح في هذا البلد عن طريق مسح زجاج السيارات في شوارع بيروت، ويؤمن بأنّ “الأمور ستتحسّن ولن أبقى على هذاه الحال وهي شدّة وستمر، وأنا لا أخشى أحداً ولا أهتم حتى بأقوال الناس، فأنا أمسح زجاج السيارات في النهار مقابل مبلغ مالي بسيط جدّاً وفي الليل أنظّف محل قهوة شعبية كي أستطيع تأمين المال الكافي الذي يجعلني صامداً أنا وأمي من دون أن نحتاج أحداً”

شارك المقال