بعد موجات الحر المميتة… فياضانات وأمطار تزيد الكوارث

تالا الحريري

موجة حر شديدة عاشتها دول العالم لا سيّما الأوروبية منها غير المعتادة على هذا الجو، وأصابت كذلك الدول العربية وكانت لا تُحتمل، وصلت فيها درجات الحرارة الى الـ40 درجة وترافقت مع نسبة رطوبة عالية وهواء ساخن وغبار. لا شك أنّ الدول العربية معتادة على هذه الموجات الحارة حتى ولو كانت أقسى من التي سبقتها، والمواطن العربي قادر على التكيف معها نتيجة المناخ الذي تربّى فيه واعتاد جسمه عليه، ولكن بالنسبة الى الأوروبيين كانت أشبه بنهاية العالم.

تسببت موجة الحر هذه بأعداد كبيرة في الوفيات في البلدان الأوروبية، فيما الكثير من المواطنين لجأوا إلى سكب قوارير المياه على أجسادهم الحارة ورش المياه على بعضهم البعض من خلال الخراطيم والسباحة في البحيرات العامة. وأدت أيضاَ الى حرائق واسعة وجفاف الأنهار والبحيرات كما حصل في فرنسا.

وأوضح رئيس دائرة التقديرات الجوية عبد الرحمن زواوي لـ”لبنان الكبير” أنّ “موجة الحر التي ضربت أوروبا ناتجة عن كتل هوائية حارة مصدرها شمال أفريقيا القريبة من سواحل أوروبا وخصوصاً من إسبانيا، وفي بعض الأحيان الكتل الهوائية الحارة يكون حجمها كبيراً جدّاً وتمتد لفترة طويلة”، مشيراً الى أن موجة الحر هذه “أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة الى ما بين 40 – 45 درجة وأسفرت عن اشتعال حرائق. ففي العام 2003 بلغ عدد الوفيات في فرنسا حوالي 10 آلاف، وهذا ناتج عن أن الدول الاوروبية غير معتادة على الكتل الهوائية الحارة كما أنّ البيوت غير مجهزة لذلك”.

وبالنسبة إلى لبنان، لفت زواوي الى أنّ الكتل الهوائية الحارة أتت هذه السنة لفترة قصيرة، وكانت أقل من المعدلات الطبيعية للأشهر العادية، يعني كنا دائماً أكثر برودة من المعتاد وحتى في منتصف حزيران وأوائل تموز كان هناك القليل من الأمطار”.

وأكد أن “المناطق الداخلية في لبنان هي التي تتعرض لدرجات حرارة مرتفعة ومصدرها شبه الجزيرة العربية وشمال شرقي أفريقيا أي مصر والسودان ومنطقة البحر الأحمر. الفرق بيننا وبين الدول الأوروبية هو عدم جهوزية الأوروبيين وعدم اعتيادهم على هذا النمط من الطقس، فأجسامنا معتادة أكثر كما يمكننا عند الشعور بالحر التوجه إلى المناطق الجبلية على إرتفاع 1500 متر بحيث تكون الحرارة بين 15 و20 درجة مئوية”.

قابل ذلك، منذ عدّة أيام في أوروبا، عاصفة عنيفة غمرت فيها المياه الشوارع ومحطات المترو ما أدى إلى إقفالها بعد صعوبة الوصول إليها. فقد هطل 40 مليمتراً من الأمطار في ظرف 90 دقيقة فقط أي ما يعادل 70% من التهاطل خلال شهر، حسب هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية.

قد يرى البعض أنّ هذه العاصفة منقذة للسكان الأوروبيين الذين عاشوا الويلات في موجة الحر، وبالفعل خففّت الجفاف الحاصل وقللت من درجة الحرارة العالية، لكنّها في المقابل سببت أضراراً مادية كثيرة طالت الأشجار والمباني.

وإنتقالاً إلى أفريقيا، شهدت الجزائر مؤخراً حرائق في غاباتها نتيجة موجة الحر التي فاقت الـ45 درجة تزامناً مع هبوب رياح جنوبية حارة وقوية، وأودت هذه الحرائق بحياة العشرات، إلى جانب حرائق أخرى في كل من المغرب وتونس.

أمّا مناطق جنوب نيوزلندا، فقد شهدت فياضانات هائلة نتيجة الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد. وكذلك في صحراء الربع الخالي في السعودية التي شهدت سيولاً وهو مشهد نادر الحدوث.

وعن هذا الموضوع، شرح زواوي أنّ “انحسار هذه الكتل الهوائية الحارة، تليه كتل هوائية باردة ويصبح هناك فرق حراري كبير بين الطبقات السفلى والعليا، فتكون حرارة المياه (البحر) مثلاً 27 درجة وحرارة الهواء العالي على ارتفاع 5000 – 6000 متر تكون -50 أو -65. هذا الفرق الحراري يؤدي إلى برق ورعد وغيوم ركامية تنتج عنه أمطار غزيرة ومؤذية”.

وبالنسبة الى دول الخليج فقد مرت بتأثير المنخفض الجوي الهندي الذي تنتج عنه رطوبة وارتفاع في درجات الحرارة على المناطق المنخفضة، بحسب زواوي، الذي قال: “الأمر نفسه يحدث في أوروبا، ولكن هناك منخفض جوي يأتي من جهة ايران وكازاخستان وروسيا. وفي بعض الأوقات يضرب جنوب الكتل الهوائية الباردة على الطبقات العليا وفي المقابل لدينا كتل هوائية حارة في الخليج تكون على سطح الأرض، فيصبح هنا فرق حراري بين فوق وتحت ما يؤدي الى أمطار غزيرة وسيول، وهذا يسمّى طقساً استوائياً لأنّه في بعض الأحيان يغيّر خط الاستواء مكانه بسبب كتل هوائية حارة”.

شارك المقال