نجومية التافهين!

جنى غلاييني

“إن مواقع التواصل الاجتماعي نجحت في ترميز التافهين، بحيث صار بإمكان أي جميلة بلهاء، أو وسيم فارغ أن يفرضا نفسيهما على المشاهدين عبر عدة منصات الكترونية عامة، هي أغلبها منصات هُلامية وغير منتجة، ولا تخرج لنا بأي منتج قيمي صالح لتحدي الزمان”، هذا ما يقوله آلان دونو في كتابه “نظام التفاهة”، وهو ما يجسد واقعنا الحالي، فبتنا فعلاً نعيش في عصر التفاهة التي تحاصرنا شيئاً فشيئاً.

في الماضي كان التافه يُصوّر وكأنّه عضو أقلية ويخبئه أهله عن الأنظار، أمّا اليوم فقد أصبح التافهون جماعة مسيطرة يقبضون على السلطة تدريجياً بدون علم منهم، وهذا ما نشهده في محتوى مواقع التواصل الاجتماعي لدى المرور عليها في نظرة خاطفة.

من يساعد التافهين على النجومية؟ إنّهم من يقفون ضد التفاهة، وينشرون الوعي بعدم السماح للتافهين بالشهرة، وهم أنفسهم مفتاح شهرة أولئك الأشخاص الذين يبحثون عن عيوب فيهم ويجعلون منها مصدراً لكسب مال.

وأكبر دليل على ذلك الشاب التركي ياسين جنكيز، الذي اعتمد في “نجوميته” على هز كرشه في حركات راقصة، فحصد ملايين المشاهدات عبر حسابه الشخصي على “تيك توك”، وأصبح يجني في أيام معدودة مبالغ مالية لا يقدر صاحب شهادة علمية على أن يجنيها خلال سنوات من العمل!.

تحول هذا الشاب التركي الذي كان يعيش في الريف من شخص يجمع المحصول في إحدى الأراضي الزراعية ويقوم بتصوير ترقيص كرشه على أنغام الموسيقى لتسلية نفسه أثناء عمله الشاق، الى شخص مشهور بعدما أصبح ظاهرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويشاهد مقاطع الفيديو الخاصة به الملايين، اذ يتابعه أكثر من مليوني شخص وسجل 33.7 مليون إعجاب، وظهر أكثر من مرة برفقة الشيف التركي الشهير بوراك، كما أصبح واجهة إعلانية يتهافت عليها راغبو الشهرة. انتقل ياسين جنكيز من حياة الريف إلى الشهرة ومرافقة النجوم والتنقل بسهولة من بلد إلى آخر، وكل هذا فقط بسبب رقصة الهز بكرشه على تطبيق “تيك توك”!

أمّا في لبنان، فحدّث ولا حرج، إذ أصبح التافهون الذين يسعون وراء الشهرة أكثر بكثير من أن يعدّوا على الأصابع، فمع تفاقم الأزمات المعيشية وتدني مستوى الدخل، نجد العاقل قبل “الأهبل” يتجه الى عالم التفاهات وهي التطبيقات التي تستدرج الفئة الباحثة عن الشهرة وربح المال، وإذا لم يكن لديهم محتوى مفيد يقدمونه، يلجأون إلى ممارسة أنماط سلوكية غريبة وشاذة فقط لإضحاك الآخرين بارتكاب الحماقات والأفعال الجنونية أو حتى اللجوء الى الفضائح والسلوكيات المنحرفة.

ومع الأسف، أصبحنا نشاهد بعض البلهاء الذين يختارون جني المال عن طريق الفن المبتذل.

ومن هؤلاء رملاء نكد التي بدأت مسيرة تفاهاتها عبر تشويه اللغة العربية بتأليف “أشعار” حسب قولها، ولكن سرعان ما تفاعل الناس مع سخافاتها وجنت المال الوفير فانقلبت حياتها 180 درجة حين اختارت الفن الرديء السوقي عبر صوتها الشنيع، لتقارن نفسها بالفنانات اللبنانيات!

https://twitter.com/WhiteRobe7/status/1559878944144384000?s=20&t=SG69bZMbWkVe1o18st4_Cw

وهناك الكثير من أمثال هؤلاء التافهين في لبنان وحول العالم الباحثين عن النجومية الوهمية، لذا نجدهم يجتمعون على دعم بعضهم البعض لأنّ… “الطيور على أشكالها تقع”.

شارك المقال