هل يزيد الفقر والتسرب المدرسي نسبة الأمية في لبنان؟

جنى غلاييني

أسفرت الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر بها البلاد عن تعثّر مسيرة تعلّم الأطفال والشباب، وكلّما زادت حدّة الأزمة كانت لها تداعيات كارثية على اللبنانيين وأبرزها ارتفاع نسبة الأمية التي تعتبر حالياً شبه ضئيلة وذلك بحسب ما تؤكّده إحصاءات “اليونيسكو” بحيث بلغ معدل الأمية في لبنان 8% منذ العام 2016، من دون أي تحديث حتى الآن لهذه الاحصاءات.

ولكن ما يشكل صدمة فعلية هو عدد الأميين حول العالم حيث بلغ نحو 757 مليون شخص لا يستطيعون القراءة ولا الكتابة، 115 مليوناً منهم في ريعان الشباب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً. ومع الأسف تزداد الأرقام يوماً بعد يوم في ظل الأزمات التي يمر بها كل بلد من حروب إلى ركود اقتصادي وأزمات تسبب شللاً في الحركة التعليمية. لذا تتعدّد أسباب الأميّة التي من الطّبيعي أن تختلف بين دولة وأخرى، اذ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطبيعة البيئة العامة للمجتمعات والتّفاوت الحاد في مستوى الدّخل بين الدول التي بدورها تحدث تفاوتاً في الحركة التّعليميّة.

من أهمّ الأسباب التي تساعد على ارتفاع معدل الأمية في العالم، الوضع الاقتصادي الذي يؤثّر على تقدم التّعليم ومستواه إلى جانب الخدمات الضّروريّة للمجتمع. فمثلاً في لبنان الذي يتدنى فيه مستوى الدّخل للأفراد شيئاً فشيئاً بسبب انهيار الليرة، قد يتسبب هذا الأمر بارتفاع نسبة الأميّة لما قد ينتج عنه من تسرّب مدرسي لعدد كبير من الأطفال الذين سيصبحون خارج البيئة المدرسيّة. كما أنّ الفقر من أهم العوامل التي تساهم في تفشي الأمية بين أفراد المجتمع، فإذا زادت نسبة اللبنانيين تحت خط الفقر حتماً سيزداد عدد الأميين، لأنّ هذه المرحلة تتطلب من الفرد الانشغال بتأمين أدنى مقوّمات الحياة للاستمرار وبالطبع لن يكترث للتعليم، وهذا ما ستصل إليه نسبة كبيرة إذا استمر الوضع الحالي على تأزّمه من تردي الأحوال الاقتصادية والأمنية فيه، وهذا ما يحصل في الصومال الذي هو على حافة المجاعة وغالبية سكانه تحت خط الفقر.

وهناك سبب آخر لا يقل أهمية عن السبب الأول ودوره في تحديد نسبة الأمية في لبنان والدول العربية وهو العادات والتقاليد التي يؤمن بها كل مجتمع ومن شأنها أن تؤثّر على التعليم. فهناك بعض المجتمعات التي لا تزال غير مؤمنة بضرورة تعليم الفتيات، وهو ما نراه غالباً في المجتمعات الريفية. وقد نجد في لبنان بعض العقليات المتحجّرة الموجودة في المجتمعات المحلية وترفض أن تتعلم الفتيات باعتبارها خلقت لكي تتزوج وتنجب الأطفال وترعى بيتها فقط، ولهذا السبب لا يزال معدل الأمية لدى النساء اللبنانيات معدلاً أعلى من الرجال.

وبالطّبع، هناك سبب إضافي وهو الحروب التي تحدث في أي بلد ومن شأنها أن تزيد من نسبة الأمية، لما تحدثه من خلل في حياة المجتمعات، فتؤدّي إلى تعطيل التدريس والعملية التعليمية برمتها، وهذا بالتحديد ما يحدث في أوكرانيا، حيث هرب العديد من الطلّاب والأساتذة من الحرب تاركين وراءهم مسيرة طويلة من العلم.

هناك العديد من الحلول التي تساعد على الحد من تفشي الأمية في لبنان وأوّلها عمل المعنيين في وزارة الشؤون التي شكلت لجنة وطنيّة لمحو الأميّة وتعليم الكبار، ثانياً تشجيع كل من لا يعرف القراءة والكتابة أو لديه ضعف على التسجيل في المدارس أو الجمعيات التي تساهم في محو الأمية.

وفي اليوم الدولي لمحو الأمية بتاريخ 8 أيلول، تتصدر “اليونسكو” الجهود العالمية في هذا المجال منذ العام 1946، وذلك من أجل تعزيز رؤية عالم يخلو من الأمية للجميع. وترمي المنظمة إلى تعليم وتحسين المهارات الأساسية للقراءة والكتابة مدى الحياة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الحق في التعليم. ويفضي “التأثير المضاعف” لمحو الأمية إلى تمكين الناس وتزويدهم بالقدرة على المشاركة مشاركةً كاملةً في المجتمع، فضلاً عن أنه يسهم في تحسين سبل الحياة.

ومن أجل النهوض بمحو الأمية باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مجال التعلم مدى الحياة وخطة التنمية المستدامة للعام 2030، تتخذ “اليونسكو” المناهج التالية لتعزيز الإلمام بالقراءة والكتابة في جميع أرجاء العالم، مع التركيز على الشباب والكبار:

  • إرساء أسس راسخة من خلال الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة.

  • توفير تعليم أساسي جيد لجميع الأطفال.

  • تعزيز مستويات محو الأمية الوظيفي للشباب والكبار الذين يفتقرون إلى مهارات القراءة والكتابة الأساسية.

  • إنشاء بيئات متعلمة.

شارك المقال