عام متعثر في المدارس الرسمية والخاصة المجانية

حسين زياد منصور

انطلق العام الدراسي في بعض المدارس الخاصة، في ظل تخبط كبير تعيشه البلاد حول ولادة العام في المدارس الرسمية واستمراريته في الخاصة، هنا المشكلة ليست تربوية، بل مالية وذلك لأسباب عدة أولها اضراب الأساتذة المطالبين بتحصيل حقوقهم بعد الوعود الكثيرة التي سمعوها، فمن أين وكيف ستدفع الدولة هذه الأموال للمعلمين الذين أجبرت تكاليف النقل المرتفعة ما يقارب 60٪ منهم على التغيب عن أيام التدريس وواجه البعض منهم إجراءات تأديبية بسبب ذلك وحُرموا من بعض التعويضات والتي أصلاً لم يتقاضاها الجميع، فيما عدد منهم غادر القطاع التعليمي ورحل خارج لبنان؟ السبب الثاني، دولرة الأقساط وارتفاعها المستمر منذ سنوات من دون أي ضوابط أو رقابة في غياب التدقيق بالموازنات، لكن إمكانات الأهل لدفع هذه الأقساط تبقى الكلمة الفصل، وعلى الرغم من ذلك، فالعام الدراسي في المدارس الخاصة سينطلق ويستمر بكلفة عالية مع بعض تمني الأهالي أن تكون “الزيادات” واقعية ومنطقية.

في هذه المعمعة، نتذكر المدارس الخاصة المجانية وشبه المجانية، وهي نتاج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال التعليم منذ خمسينيات القرن الماضي. هذه المدارس الموزعة على الأراضي اللبنانية كافة، تواجه اليوم خطر الاقفال في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

يؤكد الباحث التربوي في مركز الدراسات التربوية نعمة نعمة لموقع “لبنان الكبير” أن “المدارس شبه المجانية تعاني من مشكلات متراكمة منذ أكثر من خمس سنوات، لأن الدولة لم تدفع التزاماتها تجاهها، والآن المشكلة الاضافية أنها تخضع لقانون حول وجود قسط يساوي مرة ونصف الحد الأدنى للأجور. قبل الأزمة منذ ما يقارب الأربع سنوات رفعت القيمة لتساوي مليوناً و٢٠٠ ألف ليرة لبنانية، لكن الدولة متأخرة في سداد هذه المستحقات بما يقارب الست سنوات، ودفعت فقط سلفة عن هذه الديون، أي أعطتها أجزاء وليس مبالغ كاملة. وما يجري في العادة أن هذه المدارس تقدم المساعدات التي تتلقاها الى الأساتذة والمعلمين وتوزعها على شكل رواتب، ولتغطية بعض النفقات، وأحياناً تجمع مبالغ بسيطة من خلال التسجيل والقرطاسية للمساهمة في هذه المدفوعات”.

وعن المنتسبين الى هذه المدارس، يقول نعمة: “هم اجمالاً من أبناء الموظفين أصحاب الدخل المحدود والمتدني وبعض أصحاب المهن والفقراء (عمال بلدية، بعض موظفي السلك العسكري، أيتام تسجلهم وزارة الشؤون الاجتماعية…). إذاً، ٨٠% من المنتسبين هم من ذوي الدخل المحدود والمتدني وهؤلاء لا يملكون القدرة على دفع أي زيادات”.

ويضيف: “هناك صعوبة في الاستمرارية، اذ لا يمكن زيادة الأقساط أي زيادة المصاريف خصوصاً في ظل أزمة المازوت والقرطاسية، في هذه الحالة سيكون هناك تنازل عن بعض الأمور التي تعتبر للرفاهية كالتدفئة وكهرباء المولد، الأوراق والدروس المصورة. الى جانب ذلك لن تتمكن من تصحيح أجور المعلمين أي لن تكون هناك زيادة على رواتبهم، فضلاً عن أنهم لم يحصلوا على رواتبهم القانونية في هذه الفئة من المدارس”.

المشكلة إذاً في إمكان استمراريتها في حال أرادت تحسين ظروفها، بحسب ما يشير نعمة، موضحاً أن “حال هذه المدارس في الظروف الراهنة أصعب من حال المدارس الرسمية فهي لا تحصل على مساعدات من الجهات المانحة كونها مصنفة خاصة وان كانت شبه مجانية فالمساعدات محصورة في هذا النطاق، والأوضاع متعثرة بخصوص هذه المدارس. اما المدارس شبه المجانية المدعومة من المدارس الكاثوليكية ومدارس المقاصد فقد تتمكن من الاستمرارية”.

ويشدد نعمة على وجوب “التمييز بين فئتين، مدارس النخبة وهي المدارس الكبيرة التي لها شبكات وتكون تابعة لأفراد أي تضم أكثر من ألفي تلميذ، وأقساطها قبل الأزمة كانت مرتفعة وتتراوح بين ٤ آلاف و١٢ ألف دولار في السنة، وعددها حوالي ١٣٣ مدرسة وتضم ما يقارب ٤٠% من تلاميذ المدارس الخاصة أي حوالي ٢٥٠ ألف تلميذ. وبالنسبة الى المسجلين في هذه المدارس فهم من أصحاب متوسطي الدخل العالي وما فوق أي الفئات المتوسطة وما فوق، وهؤلاء قسم منهم قضاة وموظفو درجة ثالثة ورابعة وغيرهم من الفئات التي مدخولها أعلى من غيرها، هؤلاء أنفسهم خسروا قيمة رواتبهم وسيواجهون صعوبة في متابعة تسجيل أبنائهم في هذه المدارس وسيتوجهون الى مدارس أرخص أو رسمية”.

ويتابع: “اما الفئات الأقل والمسجلة في مدارس خاصة أرخص أو أقل كلفة أي ما كان متوسط القسط فيها بين ٢،٥ و٣ ملايين ليرة، في هذه الحالة أي مطالبة بزيادة القسط لهذه الفئة ستكون مشكلة، لأنها أصلاً من ذوي الدخل المحدود أي بين المتوسط والمتدني، وقسم كبير من هؤلاء سينقل أبناءه من هذه المدارس الى المدارس الرسمية، فنزوح هذه الفئة الى المدارس الرسمية أمر متوقع حتى بالنسبة الى من هم في بعض المدارس الغالية”.

ويرى أن “ما سيحدث نوع من الضياع، وستكون هذه مشكلة كبيرة لأن المدارس الرسمية غير مجهزة لاستيعاب الأعداد الكبيرة لأسباب عدة، والوضع معقد بسبب غياب أرقام وبيانات رسمية حول التسريب من المدارس الخاصة الى الرسمية أو من لم يلتحقوا بالمدارس أصلاً لأن الوزارة لم تنشر أرقاماً واحصاءات”.

شارك المقال