الضمان يزيد التعرفات الطبيّة والاستشفائية… فهل من ملتزم؟

تالا الحريري

فيما يتخبط البلد في أزماته الاقتصادية والمعيشية، يقترح المعنيون أموراً تزيد الوضع سوءاً على المواطن اللبناني وإستغلالاً يكدّس الأزمات فوق بعضها البعض ليزيدوا عليه الهموم دفعةً واحدة. مشكلة دخول المستشفيات والتعرفات لا تزال مستمرة منذ بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد حتى اليوم، في ضوء تدهور القطاع الصحي القائم بغياب المستلزمات الطبية والأدوية وغيرها.

المدير العام لصندوق الضمان الاجتماعي محمد كركي أعلن في بيان منتصف شهر آب الماضي أنّه رفع إلى مجلس إدارة الصندوق كتاباً لتعديل بعض الأعمال الطبية والاستشفائية “من أجل تخفيف أعباء الفاتورة الصحية عن كاهل المضمون، والذي بات يلجأ في بعض الأحيان الى بيع أثاث منزله أو سحب تعويض نهاية خدمته كي يسددها”.

لكن لا يبدو أن هذا الأمر كان لصالح المضمون، فقد جاء ذلك برفع التعرفة وفق مذكّرة إعلامية أصدرها كركي بتاريخ امس وحملت الرقم 692 شرح بموجبها آلية تعديل التعرفات لبعض الأعمال الطبية والاستشفائية في فرع ضمان المرض والأمومة في الضمان. فباتت تعرفات الأعمال الطبية خارج المستشفى 80 ألف ليرة لبنانية للطبيب العام و125 ألف ليرة للطبيب الأخصائي، وأعلن المدير العام أن هذه التعرفات الجديدة خارج المستشفى أصبحت سارية المفعول اعتباراً من تاريخه بعدما تم تعديل برامج المكننة الخاصة بذلك. ولا تقتصر المشكلة على تلك التعرفات فقط، فقبل صدورها بكثير رفع الأطباء تعرفتهم التي تبدأ من 300 ألف ليرة لبنانية وما فوق وصولاً الى المليون ونصف أو المليونين لدى البعض.

أمّا بالنسبة الى لتعرفات الاستشفائية، فسوف تزاد على النحو الآتي: الأعمال الطبية العادية غير المقطوعة تضاعف مرتين ونصف بعد تصفيتها ومراقبتها. الأعمال الجراحية المقطوعة تضاعف 3 مرات وفق المبالغ المقطوعة المعتمدة في وزارة الصحة العامة.

كما أوضح كركي أن التعرفات الاستشفائية الجديدة سوف تطبق في الأيام القليلة المقبلة فور إنجاز برامج المكننة الخاصة بذلك، معتبراً أن “هذه الخطوة هي بداية لتصحيح التعرفات في الضمان الاجتماعي وسوف تتبعها خطوات لاحقة فور صدور المرسوم الجديد بإضافة 600 ألف ليرة لبنانية الى الحد الأدنى للأجور والذي سوف يؤمن للضمان مدخولاً إضافياً بحوالي الـ 400 مليارليرة”.

إلى ذلك، رفع مشروع القرار اللازم لزيادة التعرفات لجلسة غسيل الكلى إلى مجلس إدارة الصندوق لتصبح مليوناً و250 ألف ليرة لبنانية، وأمل إقراره في أول جسلة يعقدها المجلس أو هيئة المكتب، تماشياً مع سياسة الصندوق بعدم تحميل مرضى غسيل الكلى أية أعباء مالية كون هذا العمل الطبي مغطى من الضمان 100%.

وفي حديث لـ “لبنان الكبير” مع طبيبة اختصاصية في أمراض الرأس فضلت عدم الكشف اسمها، حول هذا القرار وتعرفتها التي تبلغ 800 ألف ليرة لبنانية للمعاينة الواحدة، أوضحت لـ”لبنان الكبير” أنّها متخرجة من الجامعة اللبنانية الأميركية، وقضت أكثر من 6 سنوات لاتمام دراساتها وإنهاء كل من الماجستير والدكتوراه، وقالت: “حفظت كل خلية في الجسم، ولم أصبح طبيبة عن عبث، وإختصاص الرأس من أصعب الأمور وأدقها وأكثرها حساسية لذلك لا يمكن العبث في هذا الموضوع، وأنا مخلصة تماماً لمهنتي أي أعمل بضمير، لذلك ما أتقاضاه هو مقابل تعبي وتشخيصي لأي حالة”.

طبيب آخر لا تزال تعرفته زهيدة لا تتعدى الـ 100 ألف ليرة مقابل التعرفات الخيالية اليوم، هو اختصاصي صحة عامة، يستقبل في أحد المخيمات الشعبية مرضى من مختلف الأمراض والجنسيات. وهذه التعرفة التي يطلبها يُفترض أنها تناسب جميع الفئات في هذا الوضع الحالي، حتى أنّها لا تشكّل ربحاً له، لكنّه يعتبر أنه يقدم مساعدة إنسانية قبل أن تكون طبية كونه موجوداً في هذه الأحياء الفقيرة التي تفتقد أقل معايير السلامة.

ودعا المدير العام جميع مقدمي الخدمات الصحيّة الى الالتزام بالتعرفات الجديدة للأعمال الطبية والاستشفائية والتقيد بالعقود المبرمة بينها وبين الصندوق وعدم تقاضي فروقات مالية تحت طائلة اتخاذ التدابير والعقوبات اللازمة التي تصل إلى حد فسخ العقود معها.

لكن هل فعلاً سيلتزم أي من الأطباء أو المستشفيات بهذا القرار، علماً أنّهم يتلاعبون بتعرفاتهم كما يحلو لهم ووفقاً لدولار السوق السوداء من دون أي مراعاة للمريض؟ وهل ستفرض العقوبات بالفعل على أولئك المخالفين؟

شارك المقال