نفايات المنية: معمل الفرز للعصابات والمطمر مقفل

إسراء ديب
إسراء ديب

تشكو زينب ز. (42 عامًا) من النفايات المتراكمة في منزلها الكائن في المنية، فهي كالمئات من سكان المنية، يضطرون إلى رمي نفاياتهم في بلدة دير عمار أو يتوجهون إلى طرابلس والبداوي للتخلّص منها، وهي مشكلة مستمرّة منذ أكثر من عامين وما تزال تداعياتها السلبية تلمس كلّ مواطن في هذا القضاء، دون أن تتم معالجتها وحتى لا حلول قريبة تُذكر. “لبنان الكبير” تابع هذه القضية فماذا يقول الأهالي والمسؤولون؟

محسوبيات البلدية

وتقول زينب: “في حال لم أتمكّن من التوجه إلى مكبّات دير عمار لرمي نفايات منزلي حتّى ليوم واحد، أعاني بشكلٍ كبير من رائحة النفايات التي لا ترحم أمي وأبي اللذين يُواجهان صعوبات صحية مزمنة، كما أنّني أشعر بالخجل حين يزورنا أيّ شخص ويدخل إلى المطبخ فيستنشق رائحة كريهة”، مضيفة أنّه “لا مكبات للنفايات هنا، ولا مجلس بلدي يُقدّم حلولًا لهذه المشكلة”.

بينما يشير أحد المواطنين في المنية، أنّ “بعض الشاحنات العائدة لبلدية المنية تعتمد في عملها على المحسوبيات، فبعض العائلات في القضاء لا تضطر إلى رمي نفاياتها أو نقلها من بلدة أو من مدينة إلى أخرى، بل تتمكّن من رميها عبر الشاحنات الخاصّة بالبلدية”.

ازدادت حدّة أزمة النفايات في المنية عام 2019، وتحديدًا بعد إقفال مطمر عدوة الذي كانت تُرمى فيه نفايات القضاء، كما أقضية شمالية أخرى كالمنية الضنية، بشري، زغرتا، الكورة والبترون لسنين عدّة، وذلك لأسباب قيل أنّها بيئية وفق ما كان يقول صاحبها، فضلًا عن أسباب أخرى قيل أنّها مادية وذلك بسبب المستحقات المالية المترتبة على بعض البلديات أيضًا وغيرها من الأسباب… ليُواجه أهالي المنية كارثة كبيرة بسبب تراكم النفايات بشكلٍ كبير على الطرقات وانتشار رائحة كريهة جدًا بين أرجائها حينها.

مصادر المحافظ: الأهالي لا يريدون الحل

ولم تجد هذه الأزمة البيئية طريقها إلى الحلّ لغاية هذه اللحظة، حتّى بعد إزالة النفايات من الطرقات، وفي ظلّ حلّ المجلس البلدي فيها واستلام المحافظ القاضي رمزي نهرا زمام الأمور والأعمال في القضاء، يقول متابع مقرّب من المحافظ: “لا يمكن القول أنّ هناك محسوبيات في المنية فهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق وعار من الصحة، فأهالي هذا القضاء ومهما ارتفاع منسوب الخلافات بينهم، يتعاملون كعائلة واحدة، ولكن المشكلة الأساسية أنّ أهالي المنية يُعارضون أيّ حلّ يتمّ طرحه لإيجاد مخرج يحدّ من تطوّر هذه الأزمة واستمرارها، وبالتالي إنّ هذه الأزمة لا ترتبط بقضاء المنية فحسب بل مشكلة اللبنانيين جميعهم، ولكن على صعيد دور المحافظ نهرا القائم على أعمال البلدية، فهو يقوم بواجباته وما زال يُحاول إيجاد حل يُناسب كل الأطراف، بالاشتراك مع فعاليات المنية المختلفة وهي حلول كان يجب على الدولة إيجادها من الأساس في بلدية مهمّة كالمنية”، مؤكّدًا تلقّي المحافظ العديد من الشكاوى في هذا الخصوص.

ويضيف: “هناك مكب لدير عمار مشترك بين بلديات المنية بحنين ومركبتا… ولكن لا يُمكن أن تُرمى فيه كلّ أنواع النفايات، وهناك أنواع مثلًا يتمّ طمرها بالبحر، وحاولنا الوصول فعليًا إلى حلول، ولكن غالبًا ما يتمّ رفضها من قبل أهالي المنية، ويُمكن القول أنّ الرفض يأتي نتيجة سببين إمّا خوف أهالي المنية على أراضيهم ومياههم الجوفية وتلوّثها، أو بسبب منافسة بعض أصحاب العقارات وتراجعهم أحيانًا عن الموافقة على المشاريع لتحويل الأراضي إلى مطمر وذلك بسبب خوفهم من ردّ فعل أهالي المنية ومعارضتهم للمشروع الجديد”.

علم الدين: المطمر والفساد

يُؤكّد النائب عثمان علم الدين أنّه ومنذ عام 2007 كان من المتوقّع أن تصل المنية إلى أزمة نفايات، ما أدّى إلى إنشاء معمل فرز فيها، ولكنّه تحوّل فيما بعد إلى مكان للعصابات، مع عدم معالجة النفايات بالطريقة الصحيحة والمطلوبة.

ومع تفاقم أزمة النفايات في لبنان عمومًا، صدر قرار بإقامة مطمر في تربل شمالًا ولكن بعد الرفض لا سيما الشعبي تمّ إقفاله، ويشرح علم الدين: “تمّ تلزيم شركة جديدة بمعمل الفرز الموجود في المنية التي التزمت أخذ المشروع على سعر الدولار بـ1500 ليرة ولكنّها اليوم لا تعمل على التسعيرة عينها بخاصّة في ظلّ الفلتان الحاصل في البلاد، كما تواجه المنية مشكلة ثانية وهي مشكلة تأمين الأرض، فمثلًا بعد إيجاد أرض مناسبة لرمي النفايات أخلّ صاحب الأرض بوعده، وبعد إيجاد أرض ثانية لم يقبل أحد بهذا المشروع الذي يُمكن من خلاله معالجة عوادم النفايات بسبب عدم ثقة أبناء المنية بالدّولة وقراراتها، حتّى بعد إبرام عقد إيجار لمصلحة الاتحاد وتقديم هذا المشروع لوزارة البيئة، استقالت الحكومة وحتّى يومنا هذا نواجه هذا الواقع بين فرز داخلي وآخر يتجه إلى بلديات أخرى”.

ويرى علم الدين أنّ المنية حاليًا في أزمة مع مراحل الفساد التي تُواجهها البلاد، ويقول: “الحلّ يكمن في أهمّية توعية الناس، فنحن مجموعة أرياف ويجب أن تتعاون الناس مع بعضها البعض لأنّ المؤسسات في الدّولة قد تتجه إلى ما هو أسوأ، فصحيح أنّ النفايات لا تبقى في المنية حاليًا ولكن يجب التخفيف من النفايات للتخفيض من تكلفة معالجتها”.

ملص: التوعية على الفرز

من جهته، يقول رئيس جمعية سبل السلام الاجتماعية رسلان ملص: ” في ظلّ وجود بلدية مستقيلة، وغياب الدّولة التي تُهمل أبسط حقوق المواطن، لا يُمكن لأهالي المنية أن يعيشوا لينتظروا القرارات والمشاريع فحسب، بل عليهم مواجهة الواقع والمحافظة على نظافة بلديتهم بكلّ وعي، فمهما بلغت المشكلات التي نواجهها، تبقى النظافة هي الحقيقة الثابتة”.

ويعتبر ملص أنّ “الحلّ بالتأكيد هو في إنشاء مطمر للنفايات، ولكن الحلّ الأمثل هو بتوعية وتثقيف الناس حول كيفية فرز النفايات، مؤكّدًا السعي مع المنظمات والجمعيات الدولية (كجمعية ميرسي كوربس) للعمل على تثقيف الناس حول عملية الفرز. ويقول: “استمرّت المناقشات والمحاضرات لمدّة 6 أشهر مع جمعيات المنية كلّها، ولكن بعد كلّ هذه الفترة الزمنية فضلًا عن الأموال الطائلة التي صرفت، تفاجأنا بإعطاء المشروع لأناس من خارج المنية ولم يقم أحد منهم بما يُحسن لقضاء المنية بل بالإساءة إليه بعد عدم معرفتهم بكيفية القيام بتوعية الأهالي”، لافتًا إلى “تمكّن بعض أهالي المنية من المباشرة بعملية الفرز من بيوتهم، فيما ترتكز المشكلة في المجمّعات السكنية التي لا يُدرك الكثير من قاطنيها كيفية الفرز”.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً