زيت الزيتون ينضم الى “دكة الاحتياط” على المائدة اللبنانية

حسين زياد منصور

بدأ موسم قطاف الزيتون الذي يشكل مصدر رزق بالنسبة الى الكثير من العائلات اللبنانية، التي لا تزال تتمسك بشجرة الزيتون المباركة المتجذرة في الأرض منذ مئات السنين جيلاً بعد جيل، وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وعدم استقرار الأسواق وسعر صرف الدولار، الا أن هذه العملية تعتبر فرصة لجمع العائلة، فلكل فرد منها دور في جني المحصول بين لملمة حبات الزيتون وتعبئتها في الأكياس، وهي تشبه خلية النحل المنتشرة بين أشجار الزيتون.

لطالما كان زيت الزيتون “الأصلي” عنصراً أساسياً على المائدة اللبنانية بطعمه اللذيذ ولونه الصافي، لكن معضلة اللبنانيين هذا الموسم، هي امكاناتهم لشراء تنكة الزيت، وينتظرون لمعرفة سعرها المواكب لجنون الدولار.

موسم مبشر

بعد جولة على عدد من المزارعين وضامني شجر الزيتون والمعاصر، أجمعوا على أن هذا الموسم سيكون أفضل مما سبقه، من ناحية النوعية والكمية، فالنوعية ستكون ممتازة على الرغم من أن الحبة في بعض المناطق لا تزال صغيرة الا أن قطافها سيكون بعد هطول أولى الامطار. فالأمطار تغيّر طعم الزيتون الذي يكون ناشفاً قبل ذلك، وتميز الأراضي المزروعة بالارتفاع عن سطح البحر يؤثر على نكهة الزيت وطعمه بصورة إيجابية.

ويقول أحد التجار: “على الرغم من هذه الايجابية بوجود محصول جيد ووفير الا أن التكلفة ستكون عالية جداً ولن تؤثر الكمية الموجودة في خفض الأسعار”.

تكاليف عالية

يؤكد جميل الذي يملك المئات من أشجار زيتون، أن “النفقات والتكلفة ستكون عالية هذه المرة، مهما كان المحصول غزيراً لأسباب عدة أبرزها الأسمدة التي نستخدمها لتغذية الشجر وتسعر بالدولار، وأجرة اليد العاملة التي لن تقل تكلفتها عن 400 ألف ليرة لبنانية، فضلاً عن كلفة نقل المحصول من المعصرة واليها بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، الى جانب تكاليف العصر خصوصاً في ظل انقطاع التيار الكهربائي طوال الوقت واللجوء الى المولدات الخاصة ما يرفع التكلفة بسبب شراء المحروقات لتشغيلها، وتعبئة الزيت بالغالونات أو العبوات البلاستيكية التي تسعر أيضاً على الدولار، فكل شيء أصبح التعامل فيه على أساس الدولرة في كثير من المجالات”.

ويضيف: “من المؤكد أن سعر التنكة هذا الموسم لن يكون تحت الـ 100 دولار، وسيتراوح بين 100 و130 دولاراً كحد أقصى، بحسب كل معصرة وتكاليف الانتاج لديها من جهة، ومن جهة أخرى لناحية الاعتناء بالأشجار على مدى العام، من ريها خلال فصل الصيف لمنع جفافها وحباتها، ومن اضافة الى طرق التخزين وأساليبه، مع العلم أن سعرها في العام الماضي كان بحدود 100 دولار وقبل تفاقم الأزمة كان بين 80 و100 دولار”.

اما علاء وهو تاجر زيت ويعمل في “التضمين” فيقول: “ان الأوضاع اختلفت عن السابق حتى في التضمين، فاليوم الحصول على نصف الانتاج يقابله تحمل تكاليف القطف والعصر، فهناك الكثيرون ممن يملكون أراض فيها زيتون وهم غير قادرين على تحمل كلفة قطفها والاعتناء بها، ومنهم من لا يملك القوة والقدرة الجسدية لعلى القيام بهذه المهمة، اما في السابق فكانت كلفة الانتاج كلها على صاحب الأرض أي كان علينا القطف فقط”.

المعوقات

يشير أحد تجار الزيت الى وجود الكثير من العوائق والمشكلات التي تؤثر في تصريف انتاج الزيت اللبناني، وأبرزها إيقاف الاستيراد السعودي للزيت اللبناني، فالسوق السعودية كانت تستوعب كميات كبيرة، وهي أكبر مستورد له، فضلاً عن التراجع في الإنتاج مقارنة مع السنوات العشر الأخيرة.

ويقول: “تفيد الإحصاءات أن تصدير الزيت في لبنان تراجع بأكثر من 20٪ بسبب تدهور علاقاته مع المحيط العربي والأزمات التي نعيشها، وعلى الصعيد المحلي تراجع استهلاك المؤسسات والمطاعم والمنازل للزيت الأصلي، فمن كان يستهلك عدداً كبيراً من تنكات الزيت أصبح يستهلك تنكة أو اثنتين كحد أقصى ومنهم من يلجأ الى أنواع مستوردة”.

ويضيف: “الخلاصة، سيواجه العديد من التجار مشكلات في تصريف كل الإنتاج، بسبب التكلفة، وهنا يقع الدور على الدولة لناحية تحفيز المزارع ليعتمد التكنولوجيا والتقنيات الزراعية الجديدة والاستغناء عن التقنيات القديمة، ومساعدة المزارع من خلال تأمين الأسمدة والأدوية الزراعية بأسعار مدعومة، ومساعدته في التصدير الى الأسواق الخارجية لتحسين المردود المالي لتأمين استمرارية عطائه، وليس ذلك وحسب، بل ضبط الحدود ومنع التهريب والغش والتزوير”.

ويعتبر أن “على الدولة وضع حد لكل هذه التجاوزات والتحرك خصوصاً أن هناك من يستورد زيت الزيتون من الخارج في حين زيت الزيتون اللبناني يشهد له عالمياً ويتم تصديره، لذلك يجب تفضيل المنتج الوطني، والتحرك الدائم لمنع الحرائق التي تتجدد بين الحين والآخر من دون سبب وتأكل الثروة الحرجية ومن ضمنها أشجار الزيتون المعمرة”.

إذاً، مع بداية الموسم وسط التأكيد على ارتفاع أسعار زيت الزيتون الى أكثر من 100 دولار للتنكة الواحدة، يبدو أن الزيت سيكون حكراً على الأغنياء والميسورين، وسينضم الى “دكة الاحتياط” على المائدة اللبنانية.

شارك المقال