الصحة النفسية… توازن بين داخل الانسان وبيئته

جنى غلاييني

لا يزال لبنان ينغمس في المزيد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي تنعكس بكل تأكيد بصورة سلبية على الصحة النفسية للمواطنين.

وبما أنّ الوصول إلى خدمات الصحة النفسية ترف لا تستطيع سوى قلة قليلة تحمله، يلجأ اللبناني الذي يعاني من القلق والاكتئاب من الحالة المعيشية الى الانتحار كحلّ أخير أمام الحائط المسدود.

وفي اليوم العالمي للصحة النفسية لا بد من لفت الانتباه الى أهميتها في حياة اللبنانيين بسبب ما عانوه من ضائقة نفسية هائلة تسببت بها جائحة كورونا، ليأتي انفجار مرفأ بيروت في 4 آب ويفاقم اضطراباتهم النفسية، فكيف وهم يعيشون في صراع مع الوضع الحالي لبلد منهار على الأصعدة كافة؟

لهذا السبب، طوّرت منظمة الصحة العالمية (WHO) بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية (NMHP) في وزارة الصحة العامة اللبنانية منذ شهر تدخلاً الكترونياً لعلاج الأشخاص الذين يعانون من القلق والاكتئاب، وذلك عبر تطبيق يسمى “خطوات”.

ومن المشكلات الرئيسة لعلاج الصحة النفسية في لبنان نقص الأدوية المتاحة، بحيث يتم استيراد معظم الأدوية المستخدمة لعلاج الحالات العصبية ولكن لا تدعمها الحكومة، مثل السلع المستوردة الأخرى، وارتفعت أسعار الأدوية النفسية مع انهيار الليرة اللبنانية، مما جعل معظم اللبنانيين غير قادرين على تحمل تكاليفها، نتيجة لذلك يفضل الكثيرون عدم أخذ الأدوية أو تقنينها، فيما يضطر آخرون إلى شرائها بأسعار مرتفعة من السوق السوداء.

المعالجة النفسية نورما الحلو بيطار، تقول لـ”لبنان الكبير”: “الصحة النفسية تتمحور حول التوافق النفسي للانسان ما بين عالمه الداخلي والبيئة المحيطة به، بحيث التناغم بينهما والقدرة على التأقلم والتميز بالمرونة تشكّل جانباً كبيراً جداً من الصحة النفسية، اضافة الى غياب الاضطرابات النفسية”.

وتؤكد أنّ “أهمية الصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية للانسان لأن الجسد مسكن للنفس التي تعبّر بالتالي عن تأزمها وعن راحتها من خلال الجسد. ومن ناحية أخرى تؤثّر الصحة النفسية على حياة الانسان لدرجة أنها تعوق مسيرته المهنية أو العلمية أو العائلية وصولاً الى تأزمات أعلى بدرجات يسببها الاضطراب النفسي”.

وتوضح بيطار أنه “اذا عدنا في لبنان، 10 سنوات الى الوراء نجد أن الصحة النفسية لا تؤخذ بصورة جدية، إذ كانت الناس تتحفظ عن التعبير عن مشكلاتها النفسية ولا تتردد بصورة طبيعية على العيادات النفسية لاعتقادها أنها وصمة عار لدى المجتمع الشرقي عموماً وفي لبنان خصوصاً، أمّا مؤخراً ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي فقد لعبت دوراً كبيراً جدّاً في التوعية حول أهمية الصحة النفسية، وكذلك المدارس أصبحت تعترف بأهميتها وأهمية تأثيرها على الأداء الدراسي عند الأولاد، وبات الأهل أكثر وعياً واعترافاً بأهمية الاهتمام بالحالة النفسية، حتى الاقبال على العيادات النفسية أصبح علنياً ومن دون خجل”.

وعن الأوضاع المعيشية في لبنان ومدى تأثيرها على صحة المواطن النفسية، تشدد بيطار على أنها “تشكّل جزءاً كبيراً جداً من حياة اللبناني، وبما أنّ الصحة النفسية وتوازنها قائم على التناغم ما بين داخل الانسان وخارجه أي البيئة المحيطة به، لذا من البديهي أن تكون الأوضاع بمختلف أشكالها التي يعيشها هذا الانسان تؤثّر عليه بالتأكيد، خصوصاً إذا كانت متراكمة فيصبح تأثيرها أكبر، وهي أحد الأسباب التي قد تؤدي الى الانتحار وذلك بسبب دعم هذه التراكمات الاضطرابات النفسية عند الانسان مما يؤدي الى عدم الرغبة في الحياة وعدم الاستمرارية نتيجة الشعور بالعجز إن كان عجزاً اقتصادياً أو معيشياً أو اجتماعياً وغيره من محاور الحياة”.

علاج الصحة النفسية هو حق من حقوق الانسان، وتوفير مثل هذا العلاج واجب على الدولة اللبنانية القيام به في ظل الأوضاع الراهنة، لكنها لا تزال لا تحرك ساكناً بينما تحرك الكثير من المنظمات غير الربحية للمساعدة في سد الثغرات، وذلك لما هناك من حاجة فورية الى توسيع نطاق الحصول على رعاية صحية نفسية فاعلة ومناسبة ثقافياً وبأسعار معقولة للبنانيين.

شارك المقال