“جوع” التجميل بلا حدود… بحثاً عن “الكمال”!

جنى غلاييني

أصبحت عمليات التجميل في السنوات الأخيرة في لبنان شائعة وبكثرة، وهذا يعد أمراً جيداً مع التطوّر التكنولوجي والتقني لاستخدامه في هذا النطاق، فمنذ العصور الأولى اهتمت الشعوب وتحديداً العربية منها بتحسين مظهرها الخارجي، لأنّ الجمال من الميزات المهمّة للبشر وخصوصاً النساء.

لكن تحسين المظهر الخارجي شيء، والمبالغة والهوس في إجراء عمليات التجميل شيء آخر! اذ بات الأمر لا يقتصر على إجراء تصحيح بسيط في المكان القبيح أو الذي فيه “عيب خلقي”، بل تعدى ذلك الى تغيير الملامح بصورة كليّة! والأخطر من ذلك أنّ بعض النساء وحتّى الرجال يرغب في التمثّل بمشاهير ليصبح صورة طبق الأصل عنهم.

من الصعب تجاهل هوس المجتمع اللبناني بالمظاهر الجسدية خصوصاً أنّ لبنان يُعرف ببلد الجراحة التجميلية ويزوره الكثيرون من دول عدة لإجراء عمليات جراحية فيه على أيدي أفضل أطباء التجميل.

وبما أنّنا أصبحنا نعيش في عالم التجميل حيث الكثير من الناس غير راضين عن الطريقة التي ينظرون فيها الى أنفسهم لاعتقادهم أن الأشخاص الجذابين جسدياً هم الذين يصلون إلى القمة فقط، يخضع في كل عام ملايين النساء والرجال الى عمليات جراحية، معتقدين أن هذه التغييرات ستساعدهم في الحصول على وظيفة، أو تكون سبباً لايجاد السعادة، أو أنهم سيصبحون أكثر جاذبية ظنّاً منهم أن الشكل القياسي الذهبي يكمن في الجسم الطويل والنحيف والمنحوت مع مظهر الوجه المتماثل، بعيون مسحوبة، وجلد لا تشوبه شائبة، وشفاه ممتلئة وعظام وجنتين مرتفعتين. وبغض النظر عن رضاهم على ما حصلوا عليه، فإنهم يعيدون انتباههم سريعاً إلى العيوب الأخرى وغالباً ما يبذلون قصارى جهدهم للوصول الى “الكمال”. ولكن للأسف، على الرغم من الأموال التي تنفق في سبيل ذلك والاجراءات الشاقة، إلا أنهم لا يكتفون أبداً بما يرونه في المرآة.

طبيب الجراحة والتجميل وسام سليمان يؤكّد لـ”لبنان الكبير” أن “الإقبال على عمليات التجميل هذه الفترة يعتبر جيّداً ولكن ليس كما كان قبل الأزمة الاقتصادية وارتفاع الدولار مقابل انهيار الليرة اللبنانية”.

ويشير الى أن “هناك هوساً لدى بعض الناس في الاكثار من إجراء عمليات التجميل فيطلبون أموراً ليسوا بحاجة اليها، ولكن دور الطبيب هنا هو أن يوقف هذا الهوس والرغبة الزائدة في إجراء المزيد من العمليات، ويكتفي بتلك المستفاد منها فقط، وبالطبع هناك وعي عند اللبنانيين في هذا الموضوع”.

وعما إذا أصبحت معايير الجمال تُحدّد بالبوتوكس والفيلر، يقول: “البوتوكس والفيلر من أكثر الأمور طلباً لدى النساء والرجال، ولكن تعتبر معايير للجمال بحسب العمر، فلا يمكن إجراؤها لشابات في عمر العشرين، فهي لدى البعض للمحافظة على الجمال بطريقة غير مبالغ بها”.

ويوضح سليمان طريقة طلب زبائنه العمليات التي يريدون إجراءها “هناك فئة بسيطة جدّاً من الزبائن التي تسعى الى التشبه بفنانين ومشاهير، فمثلاً تُريني الزبونة صورة لاحدى الفنانات طالبةً أن تصبح شبيهة بها لكنني لا آخذ بذلك ولا أعمل به، فدوري كطبيب أن أقوّم الحالة أوّلاً وأبحث عما تحتاج إليه بصورة تحسينية وما الفائدة منه في حال اجرائه، فالأمر ليس copy paste”.

ويضيف: “للأسف هناك أطباء (فاتحين دكاكين) يجرون عمليات تجميلية تخرج بنتائج غير مقبولة ولا جيدة وتتسبب بمشكلات في القطاع التجميلي، وهؤلاء الأطباء إمّا يزورون شهاداتهم أو يدخلون المهنة من باب أي نوع من الطب فلا حسيب ولا رقيب، والأمور لا تجري على هذا المنوال، التجميل علم له قوانينه وشروطه”.

ويؤكد سليمان أن “التجميل له حدوده، وإذا أُجري ضمن الحدود فتكون النتائج ممتازة، فلمَ لا يرغب الشخص في أن يصغر في العمر شكلاً 10 أو 15 سنة؟”، ناصحاً الشابات والشباب الراغبين في إجراء عمليات تجميلية بـ “التوجّه الى أطباء مختصّين لتلقّي النصيحة والاستشارة الصحيحة”.

من المهم ملاحظة أن معظم عمليات التجميل ليس جراحياً بما يكفي ليسبب مضاعفات جسدية خطيرة، إنّما هناك دائماً خطر نفسي خفي يمكن أن تكون له آثار طويلة المدى في حياة الانسان.

وفي هذا السياق، تؤكد المعالجة النفسية هانيا كنيعو أن “عمليات التجميل تحولت عند البعض من كماليات الى أساسيات، فأصبحنا نرى جوعاً لدى الكثير من الأشخاص الذين لا يكتفون بعملية تجميلية واحدة أو اثنتين، بل يبحثون باستمرار عن النقص أو العيب الذي يشوب مظهرهم الخارجي، وهذا الأمر تتسبب به بصورة كبيرة ضغوط المجتمع على المرأة والرجل وكيف يجب أن يكون مظهرهمما الخارجي”.

وتشير الى أن “هذه الضغوط التي نتحدث عنها كفيلة بأن تجعل أي امرأة ورجل في حالة قلق مستمرة في محاولة لارضاء المجتمع، فيغيب لدى هؤلاء الاكتفاء الذاتي الذي يشعرهم بأنّهم راضون عن أنفسهم، ويتّجهون الى إجراء عمليات تجميلية تغيّر في أشكالهم، وكلّما انتهوا من عملية يجدون أمراً آخراً يعدّلون فيه، ولكن في حال لم تنجح هذه العمليات ونتج عنها تشوه خلقي يبدأ الشخص بالشعور بالندم ولوم نفسه على إجرائها، فيميل الى العزلة لإخفاء هذا العيب”.

وتلفت كنيعو الى أن “أي شخص مثلاً اذا أجرى عملية تجميل ناجحة لأنفه تبدأ تدريجياً صورته لنفسه بالتغيّر ويشعر أنّ شخصيته وحتى أسلوبه اختلفا، فما بالك بالشخص الذي يجري البوتوكس والفيلر بكثرة؟ هؤلاء يخرجون من هويتهم بسبب التغيّر الكلي الذي يصيب شكلهم، فإمّا يتأقلمون مع أنفسهم في الحال التي وصلوا إليها، وإمّا بسبب ضغوط المجتمع يرغبون في المزيد من التجميل لارضائه”.

شارك المقال