المسلسلات التركية تكتسح الشاشات… والعرب أول المقلدين

تالا الحريري

في الأعوام الأخيرة إكتسحت المسلسلات الأجنبية لا سيّما التركية منها العالم العربي وسيطرت على كل شاشاته ومنها اللبنانية. كما أنّ متابعة الناس لتلك المسلسلات زادت أثناء فترة البقاء في المنزل أثناء جائحة كورونا. على الصعيد المحلي، نرى أنّ غالبية الشعب اللبناني تستذكر أولى المسلسلات التي أحدثت ضجة كبيرة في العالم في وقت لم تكن التكنولوجيا بهذا التطور، مثل مسلسل “سنوات الضياع” ببطلته المعروفة على الصعيد العالمي خديجة توبا بويوكستن، ومسلسل “نور ومهند” ببطله كيفانش تاتليتوغ، وكانا من أوائل المسلسلات المدبلجة التي عرضت في العام 2005.

بعدها، توالت المسلسلات التركية لكنها لم تحدث تلك الضجة في الوطن العربي، إلا في السنوات الأخيرة مع ظهور شاشة OSN التي تعرض ما يفوق الـ4 مسلسلات تركية يومياً، إلى جانب المحطات اللبنانية كالـMTV وLBC و”الجديد”، التي واكبت هذه الموجة، عدا عن المنصات الرقمية التي تعرض أيضاً هذه المسلسلات كالمنصة التركية “قصة عشق” أو يوتيوب ونتفليكس وغيرها.

ولا تكتفي الشاشات اللبنانية بعرض المسلسلات التركية الصيفية التي تحمل الطابع الكوميدي الدرامي، عن قصة شبابية تدور أحداثها حول بطلين وأسرتين دائماً، بل أصبحت تُدخل في دورة برامجها المسلسلات الموسمية ذات السيناريو الدسم الذي قد يكون مقتبساً عن قصة حقيقية أو يعالج قضية معينة وغالبيتها من إنتاج شركة “القمر” التي تنتج أضخم المسلسلات التركية.

في ظل إكتساح المسلسلات التركية الوطن العربي خصوصاً، أين دور المسلسلات العربية، ونقصد بالدرجة الأولى الدراما اللبنانية – السورية؟

في السابق، كنا نسعى إلى مقارنة الدراما اللبنانية بالسورية والتركية والمصرية بإعتبارها في أكثر الأحيان ركيكة من حيث السيناريو والتمثيل. لكن مؤخراً بتنا نشهد تطوراً ملحوظاً في أداء الممثلين اللبنانيين إضافة إلى التعاون اللبناني – السوري الذي يضفي عنصر التنوع والجذب للمشاهد، والتعاون مع أطراف أخرى، وهذا ما شهدناه مؤخراً في مسلسل “ستيلتو” المقتبس عن المسلسل التركي “جرائم صغيرة” وهو من إنتاج تركي، وتعاون فيه فريق عربي – تركي وتدور أحداثه في تركيا. كما يجري الحديث حالياً عن تصوير مسلسلات عربية أخرى مقتبسة عن مسلسلات تركية ستمثل أيضاً في تركيا، وهذا يبدو الترند الجديد الذي سيصاحب الممثلين اللبنانيين والسوريين.

نجاح كل تلك المسلسلات يحقق أرباحاً هائلة لكل من شركات الانتاج والممثلين لتسلية المشاهد العربي والترفيه عنه، ولكن ماذا لو كانت تسعى إلى التأثير فيه إلى حد بعيد؟ اذ نرى كثيراً من المشاهدين يتمثلون بالممثلين وصفاتهم التمثيلية، على الرغم من أن الشخصية التي يقدمونها غير موجودة في الواقع أساساً، وهذا ما يشكل خطراً على نفسية المشاهد أولاً وعلى من حوله، خصوصاً أنّ الجميع بات يتمثّل بالشخصيات النرجسية.

وأكد الكثير من الممثلين أنّ لا أحد منهم يمتلك أي من صفات الشخصية التي يمثلها، كما أنّ كل تلك الشخصيات التي توهم بها الفتيات أو الشباب والمراهقون هي مجرد تمثيل وغير موجودة في الواقع. الا أن الجمهور يتأثر إلى حد كبير بشخصية ما لدرجة أنّ البعض يضغط على الممثلين لدى رؤيتهم في الأماكن العامة ويتدخل في حياتهم ويملأ مواقعهم بالتعليقات السلبية كونهم يعيشون حياتهم الطبيعية والتي هي بعكس المسلسل تماماً، حتى أنّ بعض الممثلين يتلقون الشتائم لكونهم قدموا شخصية شريرة.

يبقى المشاهد مقتنعاً بأنّ الممثل يجب أن يبقى على الشخصية التي قدمها في المسلسل والتي اعتاد عليها سواء كانت طيبة أم شريرة.

والعنف تحت شعار الحب في المسلسلات أصبح عنصراً مستحباً لدى النساء، والخيانة هي المحتوى الأكثر تقديماً.

اما المسلسلات السورية التي تتناول البيئة الشامية فتظهر خضوع المرأة للرجل من دون أن يكون لها الحق في التعبير عن أبسط حقوقها، وفي حين يُسمح له بالقيام بما يحلو له تبقى هي جليسة غرفتها وبيتها ليلاً نهاراً. وتكثر في المسلسلات اللبنانية خيانة المرأة لزوجها وكثرة مشاهد بيوت الدعارة والمشاهد الخادشة للحياء والمليئة بالإيحاءات. لذلك، فانّ المشاهدين باتوا يميلون إلى مشاهدة المسلسلات التركية لأنّها تخدم رغباتهم أي الأنا التي بداخلهم.

وفي الوقع، دائماً ما تذهب المسلسلات إلى الحد الأقصى في أي قضية تعالجها وتجعلها تبدو غير واقعية على الرغم من وجودها. فبعض القصص مقتبس من الواقع ولكن في بعض الأحيان يعطيها الكاتب والمخرج طابعاً درامياً كعنصر جاذب للجمهور وكعمل فني.

وفي الكثير من الأوقات، تحدث هذه المشاهد ضجة كبيرة وتلقى انتقادات واسعة من الجمهور منها على سبيل المثال مسلسل “شارع شيكاغو” للممثلة السورية سلاف فواخرجي، اذ أن بوستر المسلسل يحتوي على إيحاء قبلة وهذا ما ينافي الأخلاق حسب العادات والمجتمعات العربية.

لكن الغريب تقبّل كل هذه المشاهد الجريئة من مسلسلات أجنبية أخرى ولاسيما منها التركية، وتكون جزءاً لا يتجزأ من الدراما. وتقول الممثلة اللبنانية ريتا حرب: “مش غلط يكون في قبلات بالعمل، شرط أن تخدم مجريات الدراما ويثبت المشهد أنه حقيقي، وهي قبلات سريعة وليست اثارة كما يُحكى، ولما تكون بخدمة الدراما بتكون محلها”.

شارك المقال