تفشٍ فتاك للكوليرا

تالا الحريري

كان التخوف في البداية من إنتقال الكوليرا من سوريا إلى لبنان، ولكن منذ وصول أول حالة في أوائل الشهر الماضي لنازح سوري في أحد مخيمات النازحين في عكار، صار هذا الوباء ينتشر يوماً بعد يوم بصورة متسارعة حتى سجّل أكثر من 1400 حالة مشتبه فيها في مختلف أنحاء البلاد، منها 381 حالة مؤكدة مختبرياً و17 حالة وفاة، حسب منظمة الصحة العالمية. ولم يعد الكوليرا محصوراً بالأقضية الشمالية، بل سجلت حالات مؤكدة مختبرياً في المحافظات الثماني جميعها وفي 18 قضاء من أصل 26.

ومع تزايد الاصابات، حذرت منظمة الصحة العالمية مؤخراً من فاشية كوليرا فتاكة في لبنان، وهي الأولى منذ ثلاثة عقود تقريباً. أما السلالة المنتشرة فحددت بسلالة الضَّمَّة الكُوليريَّة وهي من النمط المصلي (أي التغيرات المتميزة التي تحدث داخل أنواع من البكتيريا أو الفيروسات أو بين الخلايا المناعية في مختلف الأفراد) O1 El-Tor Ogawa، وهو مشابه للنمط المنتشر في سوريا.

وأشار ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان عبد الناصر أبو بكر إلى أنّ “الكوليرا مرض فتاك، ولكن يمكن الوقاية منه من خلال اللقاحات وتوفير المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي. وفي حالة الإصابة به، يمكن علاجه بسهولة بتعويض السوائل عن طريق الفم أو المضادات الحيوية للحالات الأكثر شدة”، معتبراً أن “الوضع في لبنان هش، فالبلد يكافح لمواجهة أزمات أخرى، وهذه الأزمات يتضاعف أثرها بسبب التدهور السياسي والاقتصادي المستمر منذ مدة طويلة”.

عبد الله: الكوليرا وقاية أكثر من علاج

الكوليرا وقاية أكثر من علاج، وكما أهملت الناس كورونا في الفترة الأولى، تهمل الآن الكوليرا، بحسب رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور بلال عبدالله لـ”لبنان الكبير”، مؤكداً “أنّنا نعمل على توعية الناس، وتوفير مياه نظيفة يحتاج إلى كهرباء، لذلك نحن بانتظار الكهرباء”.

وأشار الى أن “هناك الكثير من القرى تعتمد على مصالح المياه لكن المشكلة في المناطق التي تعتمد على الصهاريج. وهناك قرى تعتمد على الآبار الأرتوازية لكنها بحاجة إلى مازوت أو كهرباء وكلاهما غير متوافر”.

وعما إذا كان سبب هذا الارتفاع الحاد عدوى بين الناس، قال عبد الله: “الاصابة بالكوليرا 99% سببها المياه الملوثة، وقليلاً ما تنتقل العدوى من شخص الى آخر وهذا يحدث في البيت الواحد”.

وعن التحضيرات، أوضح أنّ وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض قام بتجهيز 10 مستشفيات حكومية وطلب أمصالاً إضافية ولقاحات إلى جانب تحضيرات منظمة الصحة العالمية. وحالياً لا يمكن إصلاح الصرف الصحي ولا مشكلات المياه وجميعها تحتاج إلى موازنة ووقت.

يُذكر أنّ لبنان تلقى الدفعة الأولى من لقاح ​الكوليرا كهبة من شركة Sanofi عبر مؤسسة Fondation S بدعم من فرنسا، وتسلمت وزارة الصحة 13440 جرعة من لقاح الكوليرا. مع العلم أن لبنان يترقب تسلم اللقاحات التي كان قد طلبها من الجمعية الدولية لتنسيق اللقاحات التابعة لمنظمة الصحة العالمية خلال عشرة أيام بمعدل 600 ألف جرعة.

وتُعطى الأولوية في الحصول عليها لأكثر الفئات عرضة للخطر، ومنهم العاملون في الخطوط الأمامية (العاملون في القطاع الصحي) والسجناء واللاجئون والمجتمعات المستضيفة لهم. كما تُبذل جهود إضافية لضمان استمرار الإمدادات من الجرعات نظراً الى الانتشار السريع للفاشية.

وكانت الصحة العالمية وشركاؤها في مجال العمل الانساني قدموا الدعم إلى وزارة الصحة لإعداد خطة وطنية للتأهب للكوليرا والاستجابة لها وتحديد الخطوط العريضة لتدخلات المواجهة المطلوبة الأكثر إلحاحاً، مع التوسع في الترصد والتقصي النشط للحالات في المناطق التي ترتفع فيها معدلات الاصابة.

ونظراً الى النقص في عدد العاملين الصحيين والامدادات الطبية في لبنان، قدمت المنظمة الكواشف المختبرية ومجموعات العلاج واختبارات التشخيص السريعة إلى المختبرين المرجعيين وثلاثة سجون و12 مستشفى مخصص لعلاج الكوليرا، كما أرسلت فريقاً من التمريض والأطباء لتلبية الاحتياجات المفاجئة في المستشفيات في المناطق الأكثر تضرراً.

كما تعمل المنظمة على ضمان تطبيق ممارسات سليمة للتدبير العلاجي السريري والوقاية من العدوى ومكافحتها، وبروتوكولات اختبار الكوليرا لاحالة الحالات وتوجيهها إلى المستوى المطلوب من الرعاية. ودعمت المنظمة، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، سلسلة من الجلسات التدريبية على المستوى المركزي ومستوى الوحدات لتحسين أساليب الكشف المبكر عن الحالات المشتبه في إصابتها والإبلاغ عنها، وممارسات التدبير العلاجي السريري، وزيادة الوعي بين الجمهور والعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية بشأن الوقاية من الكوليرا ومكافحتها.

شارك المقال