“أطباء” السوشيال ميديا… ظاهرة مرعبة!

جنى غلاييني

انتشرت خلال السنوات الماضية على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة لافتة صفحات لأطباء يقدّمون نصائح عامة للمرضى أو المتابعين عموماً، ويهدفون من خلالها الى تعزيز الشبكات المهنية، وتعزيز فهم العوامل الفردية والسياقية التي تؤثر على الصحة العامة. ومع ذلك، طغت مشكلة مخاطر هذه التقنيات في الطب الحديث الذي يظهر على منصات التواصل على عدم معرفة ما إذا كان البعض من هؤلاء أشخاصاً يدّعون الطب وينشرون معلومات مضللة بهدف كسب الشهرة والمال.

لقد تم تحذير جميع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من عدم تصديق كل ما يرونه عبر الانترنت، وكان العديد من الأطباء يلجؤون الى تطبيق “اليوتيوب” لتقديم معلومات طبية كل بحسب اختصاصه، لذا، كان من الممكن رصد الطبيب الحقيقي من المحتال، ولكن مع ظهور تطبيق TikTok ووصوله الى مليار مستخدم شهرياً، أصبحت مكافحة المعلومات الخاطئة حول الطب أكثر صعوبة.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما حدث في مصر قبل شهر على يد أحد الأطباء ويدعى “م-ج-ع” بعد تورطه بمقتل سيدة مصابة بالسرطان عن عمر يناهز 38 عاماً وهي أم لثلاثة أطفال، بعد وصفة طبية خاطئة.

وفي التفاصيل، روى الطبيب أسامة غراب ما حصل عبر صفحته على “فيسبوك”، من باب العبرة والاعتبار والحذر، لأنها “جريمة قتل لمريضة وأداة القتل هي الجهل”.

وأوضح أن مريضة زارته منذ شهرين في عيادته وهي “تعاني من صداع وترجيع وعصب سادس ونزيف من فتحة الشرج متقطع مع إمساك لكن الشكوى الرئيسة هي الصداع الشديد، وبعد أشعة رنين مغناطيسي على المخ والبطن، اتضح وجود ورم سرطاني في الأمعاء الغليظة، ومنتشر ومتسبب بورم في المخ وآخر في الكبد”.

وأشار الى أنه أعطى المريضة علاجاً يخفف ضغط المخ وحوّلها الى معهد الأورام، الذي قام باستئصال سرطان الأمعاء، وبدأت جلسات العلاج الكيماوي والاشعاعي المكثفة لبؤر الكبد الثانوية وجذور ورم الأمعاء المستأصل. ثم زارته في العيادة وكانت حالتها أحسن بكثير، وخطط لأن تقوم بإجراء جراحة في المخ عندما تسمح حالتها الصحية بذلك، وفجأة انقطعت المريضة عن زيارته والمتابعة معه.

وقال غراب: “بعد مرور أكثر من شهر من الانقطاع عني، جاءتني من خمسة أيام الى العيادة، وفوجئت بأنها مركبة ماروكة غسيل كلوي في رقبتها، وكانت عبارة عن جثة هامدة لكن ما زال فيها نفس، وجهها شاحب جداً، والصفراء تظهر على جلدها وعينيها بصورة صفار البيض حرفياً، فسألتها أين كنتِ وماذا فعلتِ؟، قالت لي: شفت على اليوتيوب دكتور بيتكلم عن وصفات وعلاج لديه يشفي تماماً من السرطان… فرحت عيادته في القاهرة، ومسك روشتتك وروشتة أستاذ الاورام وقطعهم ورماهم في سلة الزبالة وقال لي: العلاج ده غلط جداً وأنا بإذن الله هشفيكي من السرطان بالأعشاب الطبيعية وبعض الأدوية الكيميائية غير الضارة. فوراً وقفي جلسات العلاج الكيماوي والاشعاعي اللي وصفهالك دكتور الأورام دي هتموتك وهتخللي شعرك يقع! اياكي تاخدي من علاج الدكتور أسامة دا ممكن يجيبلك السكر…”.

ولفت الى أن “دكتور اليوتيوب” أعطاها أعشاباً من عنده بـ 21 ألف جنيه، منها شرب كوب من حبة البركة 7 مرات يومياً بدون سكر مع “بنادول” للصداع. وكانت النتيجة أن المريضة أوقفت علاجه وجلسات الكيماوي، والسرطان دمر الكبد وأدى الى انسداد وتراكم للصفراء، وضغط الورم على المخ ارتفع جداً وزاد الصداع والحول والضغط على المراكز الحيوية. كما ارتفعت كيمياء الدم ما جعل المريضة تدخل في غسيل كلوي، “وما كان مني إلا أن أعدتها الى دكتور الأورام لانقاذ ما يمكن انقاذه، ولكن كان الوقت فات”. وأوضح أن زوجها اتصل به وأبلغه بوفاتها، معتبراً أن “هذه ضحية من ضحايا الجهل والدجل، طبيب بشري يوقف علاجاً كيماوياً لسرطان مستشر ويستبدله بالحبة السوداء!”.

وفي لبنان، أصبحت النصيحة الطبية لا تقدر بثمن في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي جعلت اللبنانيين عاجزين عن زيارة طبيبهم الخاص، وحتى عن إجراء الفحوص الدورية لا شهرياً ولا سنويّاً. ومع وجود مواقع التواصل الاجتماعي وجد اللبناني “ملجأه” لأخذ النصيحة الطبية من أشخاص لا يُعرف ما إذا كانوا أطباء في الحقيقة أم أنّهم محتالون والهدف من إدّعائهم الطب هو الشهرة وكسب المال، فكيف يمكن التأكّد من هذا الأمر؟

الدكتور روني صياد المتخصص في طب الاطفال أوضح لـ “لبنان الكبير” أن “هؤلاء الأشخاص الذين يستخدمون السوشيال ميديا لا يمكن معرفة ما إذا كانوا فعلاً أطباء موثوقين إلّا من خلال ورود اسمهم في نقابة الأطباء، لذا على أي متابع يشك في مهنة أي طبيب أن يتأكّد من ورود اسمه في لائحة النقابة، لوجود الكثير ممن يدّعون الطب بهدف الشهرة وكسب المال”.

وأكد أن “المتابع هو المسؤول عما يشاهده ومن يتابعه، وعليه أن يحكم ما إذا كان الشخص الذي يتابعه طبيباً حقيقياً وهدفه إعطاء النصائح والإرشادات الطبية أو شخصاً يقوم بالدعاية والشهرة لنفسه على حساب الطب أو لتسويق منتجات طبية لشركات أدوية معيّنة. يجب على المشاهدين والمتابعين أن يكونوا واعين لهذه الأمور، وليس كل ما يتابعونه ويسمعونه صحيحاً”.

وشدد صياد على أن “هناك دوراَ لوزارة الصحة ولنقابة الأطباء في هذا الشأن، ولكن المشكلة في السوشيال ميديا أنّ لا قانون لها ويمكن لمن يحلو له القيام بفتح صفحة وإدّعاء الطب في اختصاص معيّن ونشر معلومات مضلّلة لا تفيد المتابعين لا بل تضرّهم في حال أخذوا بنصيحته”.

وعن تشخيص الطبيب للمرضى عن بعد، قال: “ليس هناك ما يسمّى التشخيص عن بعد، بل يكون بزيارة المريض عيادة الطبيب، أمّا عن بعد فكل ما يمكن للطبيب أن يفعله هو توجيه مرضاه”.

ورأى أن “أطباء السوشيال ميديا اليوم يمكن أن يصنّفوا بمرض العصر، لما يقدّمونه من محتوى إمّا يكون مضلّلاً أو عبارة عن رأي شخصي، ويجب على الناس أن تتنبه الى هذه الأمور وعدم الاستماع الى معلومات مأخوذة من مواقع التواصل الاجتماعي واللجوء دائماً الى طبيبها المختص”.

شارك المقال