التغطية الصحية الشاملة في لبنان… حق ضائع بغياب التمويل!

تالا الحريري

التغطية الصحية الشاملة تعني أن يحصل جميع الأفراد والمجتمعات على الخدمات الصحية التي يحتاجون إليها من دون التعرض لضائقة مالية جراء ذلك، وهي تشمل المجموعة الكاملة من الخدمات الصحية الضرورية والجيدة، بدءاً من تعزيز الصحة إلى الوقاية والعلاج والتأهيل والرعاية. وجود التغطية الصحية في كل بلد ضروري وواجب على الدولة تأمينها، كما أنّها تساهم إلى حد كبير في بناء مجتمع صحي متكامل خال من الأمراض، وهذا ما يفتقده لبنان، حيث لا تغطية صحية، حتى أنّ دخول المستشفى وكلفة العلاج باتا مرتفعين، إلى جانب إفتقار المستشفيات إلى الطاقم الطبي من الممرضين والممرضات والأطباء الذين هاجروا بسبب الأزمة الاقتصادية التي أهدرت حقوقهم أولاً، والضغوط النفسية والتعرض للاعتداءات المستمرة ثانياً، فضلاً عن فقدان الأدوية والمستلزمات الطبية وغياب التجهيزات الصحية اللازمة. لذلك بات المريض أمام خيارين إمّا الموت على أبواب المستشفيات لعدم إمتلاكه كلفة علاجه أو التزام بيته ومحاولة علاج نفسه بما تيسر لعدم توافر الدواء.

لبنان اليوم يعاني من قطاع صحي، وهذا أقل ما يجب أن يتمتع به أي بلد من أجل تأمين تغطية صحية وأنظمة صحية معززة إضافة إلى توافر جميع العناصر الأخرى كالطاقم الطبي والأدوية والمستلزمات وغيرها.

بعد ثلاث سنوات على جائحة كورونا صار من الضروري تواجد التغطية الصحية الشاملة ليس في لبنان وحسب، بل في جميع دول العالم التي تأثرت تأثراً شديداً بالجائحة وما خلفته من أعداد هائلة من الاصابات والوفيات، إلى جانب الفيروسات التي تتوالى وراء بعضها البعض من جدري القرود إلى الكوليرا ثم الانفلونزا والحصبة وغيرها.

ويصادف 12 كانون الأول اليوم العالمي للتغطية الصحية الشاملة من أجل تحقيق الصحة للجميع، فالحصول على الرعاية الصحية الشاملة والطبابة المجانية من حق الجميع، ولكن بالطبع التغطية الشاملة لا تعني التغطية المجانية لجميع التدخلات الصحية الممكنة بغض النظر عن تكلفتها، لأنّه لا يمكن لأي بلد أن يقدم كل الخدمات مجاناً على الدوام.

وفي هذا الخصوص، أوضح رئيس لجنة الصحة النيابية السابق الدكتور عاصم عراجي لـ”لبنان الكبير” أنّ “التغطية الصحية الشاملة أمر ضروري في كل المجتمعات وكل دول العالم، فمن المفترض أن يكون هناك تكافؤ وتضامن بين الناس في موضوع الصحة والشؤون الاجتماعية. هناك نسبة 45% من الناس يعالجون على حساب وزارة الصحة و30% تقريباً على حساب الضمان والبقية على حساب الدرك والجيش والتعاونية وشركات التأمين، فنصف الشعب اللبناني غير مغطى بمؤسسات ويعالج على حساب الوزارة”.

وأكد أن “من أبسط حقوق الانسان أن يحصل على الطبابة والاستشفاء والدواء. هناك 45% على حساب الوزارة التي ليست لديها الامكانات الكافية لتغطي هذه الكمية الكبيرة خصوصاً أنّ هناك الكثير من الناس تركوا أشغالهم ولم يعودوا مضمونين وبالتالي لجأوا إلى وزارة الصحة، لذلك نلاحظ أنّ عدد من يدخلون الى المستشفيات خفّ كثيراً، وقد حاولنا توحيد الصناديق الضامنة لكن لم يتم الأمر”.

وأشار إلى أن “هناك قانون إذا أقر لدى الدولة ففيه عدالة اجتماعية لكل الناس وهو التغطية الصحية الشاملة التي ستكون مقدمة لتوحيد الصناديق الضامنة، وفي النهاية تدخل كل المؤسسات الصحية ضمن هذا النظام. ففي كل دول العالم هناك مؤسسة واحدة مسؤولة عن الجميع، وبالتالي نخفف من الهدر ومن الموظفين لأننا نملك حالياً 11 مؤسسة موكلة بموضوع الطبابة. الآن بات الجميع يدخل على حسابه، فالوزارة سابقاً كانت تغطي نسبة 85% والمريض يدفع 15% والضمان يغطي 90% ويدفع المريض 10%. قررنا أن نقوم بنظام التغطية الصحية الشاملة، أن يبقى هذا النظام تحت وصاية وزارة الصحة، ففي كل دول العالم ليس من وظيفة الوزارة أن تختم الورقة لكل شخص أراد دخول المستشفى بل أن تضع السياسة العامة للصحة في البلد وأن تكون جميع المؤسسات الصحية تحت رعايتها إلى حد ما يعني التخطيط الصحي للبلد. وقلنا أن نقيم للـ 45% الذين يعالجون على حساب الوزارة نظاماً خاصاً بهم، أي اقترحنا يومها (قبل الأزمة) أن يساهم المريض بشيء بسيط حتى نستطيع جمع القليل من المال من المشتركين وكان هذا الزامياً وليس اختيارياً”.

أضاف عراجي: “عدنا وقلنا إنّ هناك خدمات الهواتف الخلوية إذ يقوم المواطن بدفع نسبة 9% من أرباح الخلوي للدولة ويُؤخذ جزء منها كنوع من الضريبة التصاعدية وكانت فيها عدالة لجميع الفئات. أقمنا عليها دراسة وحددنا النسبة ولاحظنا أنّها تمول للبطاقة الصحية إلى جانب ما تخصصه الدولة وما يبلغ الآن 485 مليون ليرة أي ما كان يوازي في الـ2019 300 مليون دولار موازنة وزارة الصحة. وهكذا يدخل المريض الى المستشفى من دون (جميلة) أحد لأنّه يمتلك البطاقة التي تحتوي على جميع المعلومات عن المريض أي تاريخه الطبي وأدويته وغيرها، وهذا ما يحد من الكلفة يعني حتى لا يتلقى العلاج نفسه مرتين”.

ولفت الى أن “هناك موردين الأول من الدولة وهو الـ300 مليون دولار موازنة وزارة الصحة يتم نقلها على النظام الذي أنشأناه، والثاني ضريبة الخلوي لهذا النظام. الناس في برنامج الأشد فقراً أو ذوي الاعاقات لا يدفعون فروقاً بتاتاً، لكن على المرضى العاديين هناك فروق بنسبة 5% فقط”.

وعن كون مراكز الرعاية الصحية الأولية تحاول أن تحقق هدف التغطية الصحية، قال: “مراكز الرعاية الصحية لها دور مهم لأنّه لا يمكن عند ارتفاع الحرارة الذهاب إلى المستشفى في كل مرة، كما أنّه يخفف من زيارة العيادات الخاصة. وفي هذه المراكز أدوية من الاتحاد الأوروبي وفحوص دم بسعر زهيد والعلاج فيها يكون شبه مجاني. لدينا 242 مركزاً في لبنان ولكن لا تعمل جميعها، أي هناك حوالي 50 – 60 مركزاً تعمل فقط وفي تلك المراكز نجد مختبراً وأشعة وغيرها بينما البقية صارت مثل مستوصفات صغيرة. في الـ2018 أخدنا قرضاً من البنك الاسلامي من أجل تحسين وضع الـ242 مركزاً لكن أتت مشكلة كورونا وصرفت كل تلك الأموال عليها وكانت بحدود الـ120 مليون دولار”.

ومن الأسباب التي أثرت على التغطية الصحية الشاملة ليس كورونا وهجرة الأطباء وحسب بل غياب التمويل، حسب عراجي “لأن التمويل كان على أيام الـ1500. وعندما كنت رئيس لجنة الصحة النيابية أنهينا درس القانون وبات جاهزاً بإنتظار التطبيق وموافقة الهيئة العامة”.

شارك المقال