اللغة العربية… لا يكفي يوم واحد لابداعها

تالا الحريري

“ما ضرّك لو كنت مَرهَمي يا مُرّ همّي؟” تعددت الأحرف لكن المعنى مختلف، تشابهت الكلمات لكن فرّقتها الحركات… هذه هي اللغة العربية التي اعتدنا على جمال كلماتها. إنّها حركة الفتحة التي كُسِرت فضُمّت فسَكَنَتْ، وبحور العروض منها “طَوِيلٌ يَمُدُّ البَسْطَ بِالوَفْرِ كَامِلٌ وَيَهْزِجُ فِي رَجْزٍ وَيَرْمُلُ مُسْرِعَا فَسَرِّحْ خَفِيفًا ضَارِعًا يقْتضِبْ لنا مَنِ اجْتثَّ مِنْ قُرْبٍ لِنُدْرِكَ مَطْمَعَا”.

إنّها لغة الضاد وهي من أكثر اللغات إنتشاراً بين مجموعة اللغات السامية، كانت لغة الشعراء في أيام قبل الاسلام وبلغت أهميتها في القرن السابع عشر ميلادي عند نزول القرآن الكريم الذي عزز مكانتها. تعود اللغة العربية الفصحى إلى نحو 1600 عام، في حين ترجع أصولها إلى ما قبل ذلك بكثير، وهي من أكثر اللغات غزارة من حيث المادة اللغوية، إذ يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن 13 الميلادي أكثر من ثمانين ألف مادة.

وكان إعجاز اللغة العربية في بيت من شعر المتنبي “لَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ… إِنْ آنَ آنٌ آنَ آنُ أَوَانِهِ” وبما معناه “وجعٌ أحاط بي لم أعلم بمرضه… اذا توجع صاحب الألم حان وقت شفائه”.

وفي إطار دعم تعدد اللغات والثقافات وتعزيزها في الأمم المتحدة، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 كانون الأول كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة في هذا اليوم من العام 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.

تقترب العربية من كونها إحدى أركان التشبيه المشبهة بالعود تلعب على العاطفة والخيال، تُعزف على أوتارها الكلمات لتصنع لحناً رناناً يحرّك النفوس، وتصبح جميع اللغات الأخرى نكرة أمامها. وفي اللغة العربية أسلوب الهجاء كهجاء المتنبي لمجهولين حين قال: “أماتَكمُ مِن قَبلِ مَوتِكُمُ الجَهلُ وجرَّكُمُ مِن خِفّةٍ بِكُمُ النَّمْلُ ولَيدَ أبيِّ الطَّيِّبِ الكَلْبِ ما لَكُم فطَنتُمْ إلى الدَّعوَى وما لكمُ عَقلُ”، والمدح كمدح أحمد شوقي للنبي محمد: “مُحَمَّدٌ صَفوَةُ الباري وَرَحمَتُهُ وَبُغيَةُ اللَهِ مِن خَلقٍ وَمِن نَسَمِ وَصاحِبُ الحَوضِ يَومَ الرُسلِ سائِلَةٌ مَتى الوُرودُ وَجِبريلُ الأَمينُ ظَمي سَناؤُهُ وَسَناهُ الشَمسُ طالِعَةً”، والوصف كوصف ربيعة بن عامر التميمي للمليحة بالخمار الأسود: “قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد؟ قد كان شمر للصلاة ردانة حتى وقفتِ له بباب المسجد فسلبت منه دينه ويقينه وتركته في حيرة لا يهتدي ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق دين محمد”، والفخر كفخر عنترة بن شداد: “إني أنا ليث العرين ومن له قلب الجبان محير مدهوش إني لأعجب كيف ينظر صورتي يوم القتال مبارز”، والغزل كغزل قيس بن الملوح بليلى: “لو كان لي قلبان لعشت بواحد فواكبدا من حب من لا يحبني وقالوا لو تشاء سلوت عنها فقالوا أين مسكنها ومن هي أتيت مع الخازين ليلى فلم أقل أمن أجل خيمات على مدرج الصبا متى يشتفي منك الفؤاد المعذب فوالله ثم والله إني لدائب)…

ومن أجمل ما قيل عن كمال اللغة العربية ما قاله المستشرق الفرنسي رينان: “من أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللغةُ القوميّةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّةٍ من الرُحّل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّةِ معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها، ولم يُعرف لها في كلّ أطوار حياتها طفولةٌ ولا شيخوخةٌ، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبارى، ولا نعرف شبيهاً بهـذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرّج وبقيت حافظةً لكيانها من كلّ شائبة”.

شارك المقال