انتشار ظاهرة الـfreelance… لاإستقرار مادي ومنافسة مفقودة

تالا الحريري

قبل سنوات من هذا التطور الكبير الذي نشهده اليوم، كان الجميع يتجه إلى سوق العمل لدى الحصول على شهادة جامعية حتى أنّها لم تكن في معظم الأحيان كافية، بل يحتاج المرء إلى شهادة ماجستير والمزيد من الخبرات كي يكون مؤهلاً للتقدم لأي وظيفة. سوق العمل الذي يهابه الجميع، يصفه البعض بأنّه حلبة مصارعة على المرء أن يثبت نفسه فيه، وأي خطأ قد يؤدي إلى خسارة الوظيفة لاسيما أن من الصعب في أكثر الأحيان أن يرضى رب العمل بأي كان.

يمكن القول إنّ هذه التقاليد الوظيفية قد ولّت بينما نرى اليوم تزايد الطلب على الـfreelance (الوظيفة المستقلة أو الحرة)، ويلاحظ أن سوق العمل في بعض الأماكن بات يحتاج إلى موظفين على الأرض أي في متاجرهم ومكاتبهم وغيرها، بعد انتشار ظاهرة العمل الحر وتفضيل الكثيرين لهذا العمل ما يمكّنهم من شغل وظائف عدّة، وفي الوقت نفسه يقبضون في معظم الأحيان رواتبهم بالفريش دولار.

قد تكون الفترة الطويلة التي قضاها الناس في المنازل خلال جائحة كورونا ساعدت أيضاً على ذلك وشجعت على العمل عن بعد من أجل كسب المال، في وقت كانت البلاد تعلن الاقفال العام والكثير من الأشغال متوقفة. ويُلاحظ أنّ ظاهرة الـ freelance زادت منذ العام 2019.

في هذا السياق، أوضح المختص في علم نفس العمل محمد بدرا لـ “لبنان الكبير” أنّ “العمل ليس بالأجر المادي وحسب، بل هو العمل بالاضافة إلى الجهد وبيئة العمل التي تلعب دوراً مهماً في تنمية المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل عند العاملين. لدى عمل الفرد كـ freelance تصبح لديه مشكلة في عدم إستقرار الكسب المادي أي عدم إستمرار المدخول أو إستقراره، وهذا الأمر يؤثر في نهاية الشهر على الميزانية لأنّ مدخوله يصبح غير ثابت لذلك يصبح إنفاقه مختلاً”.

وأشار الى أن “الاقتصاد اللبناني الحالي متغير وخارج إرادة الفرد فكيف إذا كان مدخوله متغيراً كذلك؟ بالتالي نتعامل مع مجموعة متغيرات مادية وهذا ما ينعكس قلقاً على صحته النفسية”، لافتاً الى أن “الـ freelance يفتقر إلى بيئة العمل التي تساعد على التحفيز السلبي أو الايجابي، وبالتالي يخف لدى الفرد الدافع ففي بيئة العمل هناك منافسة بين الأفراد والأقسام، وعندما يعمل بصورة مستقلة فان هامش الدافعية المتعلق بالمنافسة يصبح غير مرئي. فهذه البيئة يستطيع المرء لمسها بالحواس الخمس وهذا ما يفتقده في الـfreelance ويؤثر على جزء كبير من استقراره النفسي ويخسر عامل المنافسة الذي يفترض أن يكون عاملاً إيجابياً لمزيد من الانتاجية. كذلك مع الوقت يفقد قدرته على العمل في المكتب وهذا شيء خطير جدّاً بحيث يصبح عاجزاً عن العمل في بيئة العمل”.

وقال بدرا: “الأشخاص الذين يعملون كمستقلين أو يقومون بعمل حر فان مهارات التواصل مع الآخرين لديهم تتراجع لأنّهم في غالبية الأوقات يعملون على مشروع ما وعندما ينهونه يسلمونه، وخلال فترة الاعداد والتحضير أو وضع الخطة في أي مجال من مجالات العمل يعانون من العزلة عن بيئة العمل”.

أضاف: “مشكلة عدم وجود مشرف دائم أو رئيس عمل دائم يحدد فترة الإنجاز يضع الفرد تحت ضغوط لأنّ الانسان في الأساس يميل إلى التراخي. مثال على ذلك، إذا كان لدى الفرد 30 يوماً لإنجاز مشروع ما فسيبقى يتراخى ويؤجّل حتى يجد نفسه تحت ضغط عالٍ عند إقتراب الموعد بسبب عدم وجود مدير مباشر يتابع إنتاجيته اليومية”.

وعن كون الـ freelance يعمل على أكثر من مشروع في الوقت نفسه، رأى بدرا أن “هناك إيجابية لهذا الموضوع ولدى الفرد المجال والفرصة لزيادة الكسب المادي لكن إشكاليته في عدم إستمرارية هذا الكسب. فمن الممكن أن يعمل على 4 مشاريع في وقت واحد وتمر عليه فترة 3 أشهر وليس لديه أي مشروع، وبالتالي هذا يضعه تحت ضغط عدم الاستمتاع بالانجاز الحالي لأن هناك خوفاً من الغد أي قد لا تأتيه فرص عمل أخرى”.

وأكد أنّ “ليس جميع الموظفين المستقلين يتقاضون الفريش دولار، قد يكون الراتب في بعض الأحيان مغرياً نظراً الى وجود فرق في الانتاج المادي في اللحظة التي يعملون فيها”.

شارك المقال