جشع التجار يزيد الفوضى… “كيف ما برمت مش زابطة”!

راما الجراح

لا ينسى اللبنانيون أنه عند إرتفاع الدولار ولو ليرة واحدة يهرع أصحاب المصالح والمحطات والتُجار إلى رفع التسعيرة مباشرةً، أو إقفال أبوابهم ليستطيعوا التحكم بالأسعار بصورة عشوائية بحجة أنهم سيتكبدون خسارة فادحة إذا لم يفعلوا ذلك، وهم ضحية فساد الدولة مثلهم مثل عامة الشعب. ما هذا الهراء؟ فالمفارقة أنهم هم أنفسهم عندما يتحسن وضع الليرة وينخفض الدولار لا نراهم يعدلون في الأسعار بما يتناسب مع هبوط الدولار، وطبعاً الحجّة: من يضمن أن الدولار لن يعود إلى الارتفاع من جديد؟، بمعنى “كيف ما برمت مش زابطة!”.

إذاً، يعتقد التُجار وأصحاب المصالح والمؤسسات التجارية في لبنان أنهم ضحية الفساد، ولكن في الحقيقة، يمكن اعتبار غالبيتهم مشاركة في عملية الفساد التي تطال جميع المواطنين، لا بل تشجع عليه وبأساليبها تساهم في زيادة الأزمة ورفع الدولار والمهم “اللهم نفسي”!. مسألة إرتفاع الأسعار أو إنخفاضها في الأسواق اللبنانية لم تعد تعتمد على أي عامل من العوامل، والأكيد أكثر أنها لم تشهد إنخفاضاً ولا في أي يوم مع انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وبكل أسف البلد ينهار يوماً بعد يوم في ظل السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المتبعة والمنظومة المصرفية القائمة، التي لا تزال تتآمر على الناس وتتهرب من المسؤولية وتحمل المواطنين والفقراء والمودعين تبعات الأزمة.

وكشف مصدر إقتصادي مطلع لموقع “لبنان الكبير” أن “ما يحصل هستيريا وفوضى ليست بجديدة، فمنذ بداية الأزمة عام ٢٠١٩ ونحن نطالب بضرورة المراقبة وتسطير محاضر ضبط بحق كل الذين لا يلتزمون بتغيير أسعارهم في حال صعود الدولار أو هبوطه بالنسبة نفسها التي تتغير فيها العملة الخضراء مقابل الليرة اللبنانية، ولكن حدث ولا حرج! على سبيل المثال أقله في لبنان هناك حوالي ٢٠ ألف سوبرماركت، تحتاج إلى فريق عمل كبير مُخصص لمراقبتها، ولكن في الحقيقة ليس هناك سوى ٧٠ مراقباً يعملون على ملفات عدة منها المحروقات، المولدات​، الأفران، ويتابعون ​الأسعار​، وفي هذه الحالة من الطبيعي أن نلمس جشع التجار، واحتيال أصحاب المحطات، ونفاق أصحاب المحال التجارية والأفران وغيرهم، فلا حسيب ولا رقيب عليهم”.

وأسف المصدر لمرور ثلاث سنوات على بداية الأزمة، “ولم نشهد يوماً على إتمام دور الدولة في الرقابة ووقف الجشع عند حده والرأفة بالمواطنين، بل على العكس بدليل ما حصل منذ يومين عند إنخفاض أسعار المحروقات بعد هبوط الدولار، بحيث أغلقت المحطات أبوابها إلى حين تغيير التسعيرة لتعود وترتفع من جديد”، مؤكداً أن “الأزمة مستمرة مع بداية عامنا المقبل في ظل عدم وجود أي دراسة أو خطة لاستقرار الدولار والوقوف إلى جانب المواطنين”.

وأشار الحاج عقل، صاحب “فرن ومطعم عقل” الى “أننا نتعامل مع الناس برحمة ورأفة، وهذا واجب علينا وليس منّة، فعندما يرتفع الدولار الجميع يعلم أننا لا نرفع أسعارنا قبل أسبوع، علّه يعود إلى سعره القديم أو يستقر، وخصوصاً أننا نعتبر هذه الأزمة مؤقتة ويجب أن نتعاطف مع الجميع والوقوف جنباً إلى جنب. وبالمناسبة ليست هناك خسارة كما تدّعي غالبية أصحاب المصالح والمحال التجارية، فأنا لدي عدد كبير من الزبائن وعندما أنتظر أسبوعاً من دون رفع الأسعار لا أخسر دولاراً، وما يحصل هو طمع ولا يسمى باب رزق، بل نوع من الفلتان، والله عندما يبارك بالرزق يكون بالربح الحلال. على سبيل المثال اليوم جاء وكيل شركة (بيبسي) سألته اذا قاموا بتغيير أسعارهم بما يتناسب مع هبوط الدولار، وعندما أتى جوابه سلبياً رفضت أن أشتري منه، لأنه عند صعود الدولار كان يرسل لي يومياً لائحة أسعار جديدة وهذا غير منطقي”.

أضاف: “الأمر نفسه ينطبق على أصحاب المحطات والسوبر ماركت وليس هناك (بدنا نحمي حالنا) وما يقال كذب ولا خسارة لدى أحد، ولو أننا تعاملنا مع بعضنا البعض بعيداً عن الطمع لكنا وقفنا في وجه الدولة ولم نصل إلى ما نحن عليه اليوم. أما بالنسبة الى الدولة، فبرأيي أن لا وجود لها، وكل السياسيين عملهم أن يمصوا دم الشعب فقط، و(آخر همهم) حالنا وما يحصل معنا، ونحن اليوم نطالب الدولة بأن تقف إلى جانب المواطنين مع بداية عام ٢٠٢٣ لنشعر أنها تقوم بدور الرقابة على كل المصالح والمحال ومعاقبة المخالفين، ونأمل أن يُسمع صوتنا ويصل إلى المسؤولين، لنقول لأحفادنا ان دولتنا في النهاية كانت إلى جانبنا وعام ٢٠٢٣ كان النقطة الفارقة”.

في ظل هذه الأزمة، ما اجتمع اثنان من اللبنانيين إلا وكان حديث الأسعار وارتفاعها الجنوني ثالثهما. وأكدت المواطنة هيفا. ح، أنها تشتري سلعاً غذائية من محلين تجاريين، “غالباً ما يكون أحدهما أرخص من الآخر على الرغم من إرتفاع الدولار، ولدى سؤالي عن السبب يقولون ان هناك تجاراً اشتروها حين كان الدولار أقل من سعر اليوم، وآخرون اشتروها حديثاً على الدولار المرتفع على سبيل المثال، ولكن هذا دليل على أن هناك كذباً بين التجار أنفسهم، لأن الفرق الكبير في الأسعار بين محل وآخر يمكن أن يؤثر على سمعته في منطقته، ونعم هناك تجار منافقون وآخرون (أوادم) ولكنهم قلائل، ونأمل أن تنعش دولتنا نفسها بنفسها من جديد وتحاول وضع حد للمهزلة التي خربت بيوتنا”.

شارك المقال