لغة برايل… تنير دروب المكفوفين

جنى غلاييني

من الظلام الى النور… هذا ما استطاعت فعله لغة برايل التي كان اختراعها من أهم الاختراعات في تاريخ محو الأمية. إنها فكرة بسيطة جداً، عبر تحويل الحروف إلى نقاط بحيث يمكن قراءتها باللمس، ومنحت عدداً كبيراً من المكفوفين وضعاف البصر حول العالم القدرة على القراءة، فأخرجتهم من عتمتهم لتنير دروبهم وتخرق أبصارهم.

أقرَت الجمعية العامة للأمم المتحدَة يوم 4 كانون الثاني يوماً عالمياً للغة برايل، وبدأ الاحتفال به سنوياً ابتداء من عام 2019، وذلك من أجل إذكاء الوعي بأهمية لغة برايل، باعتبارها وسيلة من وسائل الاتصال، في الإعمال الكامل لحقوق الإنسان للأشخاص المكفوفين وضعاف البصر.

ويحتفل لبنان بهذا اليوم في ظل غياب أي مبادرة لانفاذ التعهدات الدولية بالمصادقة على هذه الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري. ولكن يبقى للمكفوفين في لبنان خدمات تُقدّم من جمعيات خاصّة وهي “المدرسة اللبنانية للضرير والأصم”، “رابطة الجامعيّين اللبنانيين للمكفوفين”، “مؤسسة الامام الهادي للاعاقة السمعيّة والبصريّة واضطرابات اللغة والتواصل”، “مجمع إنماء القدرات الانسانية – لجميع الفئات من ذوي الاعاقة من بينهم المكفوفون”.

ما هي لغة برايل؟

نصَت المادة الثانية من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة على لغة برايل هي وسيلة اتصال للمكفوفين ويمكن أن تكون ذات أهمية في سياقات التعليم، وحرية التعبير والرأي، والحصول على المعلومات والاطلاع على الاتصالات المكتوبة، وفي سياق الإدماج الإجتماعي للمكفوفين على نحو ما تبيِّنه المادتان 21 و 24 من الإتفاقية.

وقد عرَفت الجمعية العامة لغة برايل بموجب قرارها 161/73 الصادر في 1 تشرين الثاني 2018 بأنها “عرض للرموز الأبجدية والرقمية باستخدام ست نقاط يمكن تحسينها باللمس لتمثيل كل حرف وعدد، بما في ذلك رموز الموسيقى والرياضيات والعلوم”.

كما يستخدم هذه اللغة المكفوفون وضعاف البصر لقراءة الكتب والنشرات الدورية نفسها المطبوعة بالخط المرئي، ممَا يكفل لهؤلاء الإطلاع على المعلومات المهمة وهذا يعد مؤشراً على الكفاءة والاستقلال والمساواة، واعترافاً بأن تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق الوصول الى اللغة المكتوبة شرط أساس للإعمال الكامل لحقوق الإنسان للمكفوفين وذوي الرؤية الجزئية. 

من اخترع لغة برايل؟

يرتبط تاريخ اليوم العالمي للغة برايل بتاريخ ولادة مخترعها لويس برايل، فى مدينة كوبفراي شرق العاصمة الفرنسية باريس يوم 4 كانون الثاني من العام 1809.

فقد برايل بصره وهو في الثالثة من عمره بعد تعرضه لحادث في ورشة والده في ذلك الوقت، حينها لم يكن هناك الكثير من الموارد لعلاج العمى. وعلى الرغم من إعاقته، إلا أن برايل كان متفوقاً في دراسته، وفي سن العاشرة حصل على منحة دراسية في المعهد الملكي للشباب المكفوفين في فرنسا. وتمكن من اختراع هذه الطريقة من خلال تعديل نظام الكتابة الليلية لضابط جيش فرنسي تشارلز باربييه، وقضى 9 سنوات في تطوير هذا النظام للسماح للمكفوفين بالتواصل بفعالية وكفاءة.

مكفوفون ملهمون عرب

طه حسين: كاتب مصري أصبح شخصية ثقافية وعامة رائدة. حارب من أجل حصول الناس على التعليم واستقلال المرأة. شخصت حالته بأنه مصاب بالعيون، وبعد أن تلقى رعاية غير كافية من طبيب غير مدرب، أصيب بالعمى، لكن ذلك لم يؤثر على مسيرته المهنية بحيث تغلب على هذا التحدي وحصل على أول دكتوراه. حاز على جائزة من جامعة مصرية، وبعد أربع سنوات حصل على أخرى من جامعة السوربون في باريس.

شغل منصب وزير التربية والتعليم من العام 1951 إلى العام 1952 وترجم أعمال الفلاسفة اليونانيين، وكتب أكثر من 50 كتاباً عن الاهتمامات الاجتماعية والسياسية للبلاد، وأنتج بعضاً من أفضل إبداعات الأدب العربي المعاصر. وتقديراً لإنجازات حياته، حصل على جائزة الأمم المتحدة في مجال حقوق الانسان ووسام النيل، أرفع وسام في مصر، لجهوده في دعم حقوق الانسان في مصر.

يعتقد طه حسين أن التعليم حق يجب أن يكون متاحاً للجميع، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي أو اللون أو الجنس أو الدين. كانت هذه رسالة حياته، بحيث استخدم صوته ومكانته لتغيير تصورات الناس وتوفير التعليم المجاني لجميع المصريين.

الأديب والمفكر المصري طه حسين

أمجاد المطيري: شهد قطاع الفن في المملكة العربية السعودية طفرة في العام 2021 بحيث بدأ عدد من الفنانين في عرض أعمالهم الفريدة، وأمجاد المطيري أحدهم، اذ كانت لديها المهارة وتنتظر الاعتراف الذي تستحقه على نطاق عالمي.

كانت المطيري طالبة في كلية الآداب في جامعة الطائف، وعضواً في وحدة ذوي الاحتياجات الخاصة. والجانب الأكثر روعة هو كيف تمكنت من إنتاج أعمال فنية رائعة على الرغم من كونها عمياء. كانت ترسم منذ أن كانت في الرابعة من عمرها، ويبدو أنها تستطيع أن ترى أعمالها جزئياً من مسافة ربع إنش. واستطاعت الفنانة الكفيفة، المولودة بمرض وراثي تسبب بفقدانها التدريجي للبصر أن تستحوذ على إعجاب عشاق الفن وذهولهم من خلال لوحاتها المتنوعة والخالدة.

الرسامة السعودية أمجاد المطيري

سارة منقارة: الشابّة اللبنانية – الأميركية سارة منقارة ابنة طرابلس التي عيّنت سنة 2021 في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في منصب المستشارة الأميركية الخاصّة لحقوق ذوي الحاجات الخاصّة حول العالم. وتُعدّ بطلة تحظى بأهمّية كبيرة معترف بها دولياً، فقد عملت منذ سنوات على تطوير إدماج ذوي الحاجات الخاصّة، التمكين الفردي، ومشاريع اجتماعية مختلفة تكمن في الحديث بدينامية فريدة من نوعها مع الجمهور لتسهيل كيفية مواجهة تحدّيات العمل عبر ورش تفاعلية رائدة.

سارة التي فقدت بصرها في السابعة من عمرها بسبب مرض وراثيّ أصيبت به وشقيقتها، أسست منظمة غير ربحية، وبعد جهد سنوات، أصبحت سارة متحدّثة مميّزة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية، وتمّ تكريمها من مختلف المنظمات والجمعيات الدّولية.

إنّ سعيها الى التركيز على “دمج الأطفال المكفوفين مع غير المكفوفين” بهدف كسر الصورة النمطية عنهم، بدأت في لبنان وتحديداً بين بيروت ومدينتها طرابلس، وذلك عبر إنشاء مخيّمات تُساهم في دعم هذه الفكرة. وتعتبر سارة أنّ “مهمّتها الحقيقية هي المساعدة في تطوير نفسك لإطلاق العنان لإمكاناتك وقدراتك للوصول إلى تمكينك في التأثير بالقادة والمجتمعات والمنظمات”.

سارة منقارة، المستشارة الخاصة للولايات المتحدة الأميركية لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة الدولية
شارك المقال