الزواج في لبنان… فرحة مغمّسة بالمعاناة!

جنى غلاييني

كل المفاهيم والمبادئ والمعايير تتغيّر من جيل الى جيل، وما كان مقبولاً أو عادياً في زمن أهلنا وأجدادنا لم يعد مقبولاً اليوم، حتّى أنّ الارتباط والزواج أصبحا ينطلقان من اعتبارات مختلفة في كثير من الأحيان.

في السابق كان الشاب يختار عروسه بمواصفات بسيطة والأهم أن تكون “ست بيت” طبعاً الى جانب الحب الذي يربط بينهما. أما اليوم فالأمور أصبحت أكثر تعقيداً وصعوبةً بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتهالكة، بحيث أنّ أولويات الرّجل البحث عن إمرأة عاملة كي تسانده في مصروف البيت، لأنّه بات من شبه المستحيل تطبيق المقولة التي كانت شائعة “المرا بتشتغل بالبيت… والرجال بيشتغل برّا”.

وبعد أن كانت معظم الفتيات في السنوات القليلة الماضية يتغنّجن ويتدللن ويطلبن الكثير ولا يرضين بالعريس إلّا اذا كان لديه بيت وسيارة ووظيفة تدر له الكثير من المال ويعيش حياة رغيدة، بتن اليوم يرضين بالزواج في بيت بالايجار وبـ “عيشة ع قد الحال”، لأنّ الكثير من الشباب أصبحوا من الطبقة الفقيرة وغير قادرين على شراء بيت، بعدما شهدت أسعار الشقق ارتفاعاً كبيراً وأصبح شراؤها حلماً يستحيل تحقيقه.

شريك بمواصفات تناسب الوضع المعيشي

يشير عمر.ب البالغ من العمر 28 عاماً، والذي يبحث عن شريكة حياته حالياً، الى أنّه كان مرتبطاً لمدة سنة وفسخت الفتاة الخطوبة سنة 2021 لعدم تمكّنه من شراء منزل ولأنها لم تقبل أن تعيش حياة زوجية في بيت بالإيجار، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “أعمل مديراً لقسم محاسبة، وكنت أحب هذا العمل كثيراً قبل الأزمة الاقتصادية لما أجنيه من راتب محترم بالنسبة لي، أمّا اليوم فللأسف راتبي لا يساوي شيئاً، وعندما كنت مرتبطاً وعدتُ خطيبتي السابقة بأنّني سأشتري بيتاً، لكن مع مرور الوقت ومع تفاقم الأزمة المعيشية أصبحت غير قادر حتى على تأمين لوازمي، ولأنّها لم ترضَ ببيت بالإيجار وأن هناك احتمالاً على عدم استطاعتي إقامة حفل زفاف في صالة أعراس، رفضت وتوالت المشكلات بيننا حتى فسخت الخطوبة، وهي على حق بالطبع فأي فتاة تحلم بإقامة عرس وبأن تعيش في بيت ملكها لتحكم فيه على راحتها وأن تعيش حياة مستقرة، ولكن الأوضاع الاقتصادية التي نمر بها نحن الشباب في لبنان لا تسمح بتحقيق هذا الحلم كاملاً أو حتى جزء منه، وبالطبع هذا ليس حلم الفتيات وحسب، وإنّما الشباب الذي يبحث عن راحته وإسعاد شريكة حياته”.

ويضيف: “أنا اليوم أبحث عن فتاة ترضى بي وبوضعي المعيشي، وليس أمامي سوى أن أستأجر منزلاً وأقوم بفرشه، ولكن لا أريد أن أقدم على هذه الخطوة وحدي وأختار المنزل والمفروشات على ذوقي أنا فقط”.

يؤكد علاء.ف، البالغ من العمر 30 سنة، والذي يعمل في شركة تحويل أموال، أنّ الزواج آخر ما يفكّر فيه اليوم بعدما كان مصرّاً عليه قبل سنتين، لأنه من الشباب الذي يدخّر أمواله في البنوك لشراء منزل والتعرف الى شريكة حياته وإقامة حفل زفاف ضخم والسفر على الدوام، لكن شاء القدر أن تجمّد أمواله في البنك، فأصبح ككل اللبنانيين غير قادرٍ على سحبها وتحقيق ما في نفسه، فعلّق أحلامه الى أجلٍ غير مسمى. ويشرح علاء: “وديعتي في البنك تبلغ 220 ألف دولار، وكانت ستخوّلني شراء كل ما يلزم، وكنت على وشك الارتباط سابقاً لكن كلما خطرت في بالي حالتي المعيشية الحالية أتراجع، فكيف أتزوج براتب لا يكفي حتى آخر الشهر؟ وأي فتاة سترضى بأن تتزوجني في هذه الحالة؟ وأنا لا أسمح لنفسي بأن أورّط فتاة لتعيش حياة فيها ذل”.

صلاح.ع، البالغ من العمر 33 عاماً، لا يوافق على رأي علاء، فحسب ما يقول انّه ملّ من انتظار الوضع كي يتحسّن، لذا يجب التأقلم مع الواقع، ويقول: “أصبحت في عمر 33 سنة، فكم سأنتظر بعد لأتزوج ويصبح لدي طفل؟ وجدت الحل في أن أبحث عن شريكة حياتي ويجب أن تكون لديها وظيفة كي تساندني في مصروف البيت، كما يجب أن ترضى بالعيش في بيت بالإيجار، وإذا رَضِيَت حتى بأن تعيش معي في بيت أهلي فلا مشكلة، فالأمر الواقع يُحتّم علينا أن نُسعد أنفسنا ونحن نعاني”.

واقع ليس كما الأحلام

أمّا يارا.ح البالغة من العمر 26 عاماً، فتلفت الى أنّها كانت ترسم شريك حياتها في مخيّلتها ويجب أن يملك منزلاً وسيارة ويكون صاحب مؤسسة أو موظفاً في مركز مرموق، لكن “الأوضاع المعيشية أتت لتخربش هذه الرسمة، وأصبحت أرضى برجل لديه وظيفة على الأقل وقادر على استئجار بيت وشراء أثاث له، لأن معظم الرجال في لبنان يعانون، والزواج وإنجاب الأولاد للأغنياء فقط”.

وفاء.ف، البالغة من العمر 28 سنة، والتي تعمل في مكتب سفريات، مخطوبة منذ سنتين، وتستعد للزواج في بيت بالإيجار ولن تقيم حفل زفاف بل سيقتصر الأمر على عشاء عائلي، وتقول: “ليس هذا ما كنت أخطط له أنا وخطيبي، فهو كان ينوي شراء منزل في بشامون، وأنا كنت أعتزم أخذ راحة لمدة 4 سنوات من العمل للتفرغ للحياة الزوجية، ولكن كل الأمور انقلبت رأساً على عقب، واليوم أساعد خطيبي في مصاريف تجهيز المنزل من شراء أثاث والكترونيات وغيره، ونحاول أن نفرح أنفسنا ونحن غارقون في الهموم!”.

شارك المقال