حكايا الناس اليومية… “توت توت عبيروت”

حسين زياد منصور

في الوقت الذي تستفحل فيه الأزمة الاقتصادية وتشتد، ويواصل الدولار جنونه، تحلق معه أسعار كل المواد من غذائية واستهلاكية، ولا سيما أسعار المحروقات التي تتسابق بين صفيحتي المازوت والبنزين للوصول الى حاجز المليون ليرة.

وعلى الرغم من هذا الارتفاع الكبير والصاروخي في أسعار المحروقات، الا أننا لا نزال نرى الكثير من اللبنانيين يتنقلون من منازلهم الى مراكز عملهم، قاطعين بذلك مناطق ومسافات كبيرة، في الوقت نفسه لجأ العديد من الأشخاص الذين يتوجهون يومياً الى العاصمة بيروت حيث دوامهم الوظيفي أو الجامعي، الى النقل المشترك، إن كان عن طريق الباصات أو “الفانات” أو “البولمان”.

فرض ارتفاع أسعار المحروقات واقعاً جديداً على قسم كبير من اللبنانيين، أدى الى تقليص استهلاكهم للبنزين، وعدم تحمل كلفة التنقل بسياراتهم الخاصة والشخصية، فعلى الرغم من بعض الزيادات التي طالت الرواتب والأجور، الا أنها لم تواز نسبة ارتفاع أسعار المحروقات، علماً أن الوسائل العمومية ليست أفضل الحلول، الا أنها الأقل كلفة و”خسارة” على جيب المواطن، مع أن التعرفة ارتفعت أيضاً.

يومياً أخوض رحلة “النزول” الى بيروت متوجهاً الى مكان عملي، مستقلاً “البولمان” الذي ينطلق من شحيم، ليجول في قرى إقليم الخروب في طريقه الى العاصمة، حيث الكولا محطته الأخيرة. الوجوه نفسها ألتقيها كل يوم، ويدفعني الفضول الى معرفة قصص هؤلاء الأشخاص.

تقول نايلة وهي موظفة تذهب الى عملها 3 أيام في الأسبوع: “في السابق كنت أحضر الى عملي بسيارتي الخاصة، اما اليوم في ظل ارتفاع أسعار المحروقات، فأصبح هذا الأمر مستحيلاً، واستعمال السيارة مخصص للمشاوير الضرورية فقط. وأصبحت التزم بمقدار معين من الوقود شهرياً بعد اجراء عملية حسابية تكفيني للمسافة التي سأقطعها”.

وتضيف: “خلال الأيام الثلاثة التي أداوم فيها أصرف ما يقارب 400 ألف ليرة أسبوعياً، وأعتمد على الباصات العمومية في بيروت بدل التاكسي”.

اما رندة فتعمل مديرة لأحد محال الألبسة في أسواق بيروت، وتشير الى أنها تحضر الى المتجر من الاثنين الى الجمعة، وتدفع ما يتجاوز 150 ألف ليرة يومياً أجرة نقل بين ذهاب واياب، من والى المنزل، “اذ أنني أستقل التاكسي ضمن بيروت كي أتمكن من الوصول بصورة آمنة وسريعة الى العمل، لأن باصات النقل العمومية بطيئة”.

ويشيد رامي بوسائل النقل المشتركة، لأسباب عدة أولها العامل المادي، والثاني بيئي للتخفيف من التلوث، والثالث اجتماعي، لأنها تقرّب الناس من بعضها البعض وتساعد في توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية.

ويقول: “أتوجه يومياً الى بيروت، من الاثنين الى السبت مستقلاً الباصات، وما أتكلفه يومياً يقارب 100 ألف ليرة فقط، وبين فترة وأخرى أتعرف الى أناس جدد منهم من تنشأ معهم علاقات اجتماعية وآخرون علاقات عمل”.

اما محمد سائق الباص فيقول: “بسبب الدولار المتأرجح وأسعار المازوت التي تواصل تحليقها من دون لجم، مهما كانت الغلة، فما ندفعه للحصول على المازوت يكون أكثر دائماً، ولا يمكن نسيان الأعطال والصيانة التي يجب متابعتها بصورة دائمة، فما الذي سيتبقى لي ولعائلتي من عملي اليومي منذ الصباح الباكر حتى المساء؟ ما الذي سيتبقى لتأمين الطعام والشراب والحاجيات الأساسية، ودفع فواتير الكهرباء والمياه، وتأمين الأموال اللازمة للمدارس؟”.

شارك المقال