المعمّرون… تأثير العوامل البيئية أكبر من البيولوجية

تالا الحريري

لماذا تُطلق على شخص ما صفة المعمّر؟ أو لماذا قد يدخل أحدهم موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية لمجرد تخطيه عمراً معيناً؟ لقد اعتاد البشر على أنّ الناس قد يصلون في أقصى حالاتهم الى سن الـ100 ويموتون بعدها، هذا إلى جانب متوسط الأعمار الذي حدد عمراً تصل إليه غالبية الناس. ففي تقرير إحصائي لمنظمة الصحة العالمية في العام 2019 تبيّن أنّ متوسط عمر الانسان المتوقع على المستوى العالمي ارتفع بمقدار 5 سنوات ونصف السنة منذ بداية هذا القرن أي من 66.5 إلى 72 عاماً، ومتوسط العمر الذي يعيش فيه الناس بصحة كاملة ارتفع من 58.5 إلى 63.3 عاماً وذلك في العام 2016، مع الاشارة إلى أنّ النساء يعمّرن أكثر من الرجال. وتبين في تقرير آخر بعد المقارنة بين أعمار مواليد العام 2012 ومواليد العام 1990 أنّ سكان العالم يعمّرون أكثر من أي وقت مضى بفارق بلغ 6 أعوام، إذ بلغ متوسط عمر الرجل المتوقع على الكرة الأرضية إذا كان مولوداً في العام 2012 68 عاماً، والنساء 73 عاماً، وهو ما يتجاوز توقعات العام 1990.

وفعلياً لا يرتبط العمر دوماً بالعوامل البيولوجية، فلا يمكننا نسيان جرائم السرقة والاغتصاب والعنف وغيره ما يؤدي في الكثير من الأحيان إلى القتل المتعمد أو غير المتعمد، إضافة إلى الانتحار وعوامل أخرى كثيرة لا تقتصر على جسم الانسان وطبيعته البيولوجية فقط. لكن على الرغم من ذلك، تبقى الأمراض المعدية سبباً رئيساً للموت المبكر في الدول الفقيرة، إذ أنها مسؤولة عن حوالي 70% من الوفيات المبكرة في 22 دولة أفريقية.

أمّا من الناحية البيولوجية، فتوجه باحثون لدراسة العمر البيولوجي من فئات عمرية مختلفة وكانت الدراسة التي نشرتها دورية علمية، استندت الى فحص الحالة الصحية والنفسية بصورة منتظمة لـ 1937 شخصاً في إحدى مدن نيوزيلندا منذ ولادتهم وحتى بلوغهم 38 عاماً.

وتم تطوير آلية لقياس سرعة العجز في أعضاء الجسم المختلفة من الكلى والرئة والكبد وجهاز المناعة مع التركيز على التغيرات في معدل الكوليسترول وصحة الأسنان ووضع شرايين الدم خلف العين التي تعد مؤشراً على حالة الشرايين الدموية في المخ. وبناء على هذه المعايير تم تحديد العمر البيولوجي للخاضعين للتجربة بين 28 و61 عاماً.

وبيّنت هذه الدراسة أنّ هناك أشخاصاً تقدم عمرهم البيولوجي مرة كل سنة، في حين أن البعض كان يكبر بمعدل 3 سنوات بيولوجية سنوياً. ولاحظ الباحثون أن سرعة التقدم في العمر البيولوجي تزيد لدى الأشخاص الذين يتجاوز سنهم الـ 38 عاماً، فيما أنّ آثار التقدم في العمر بدأت بالظهور من سن الـ 26.

ورجح بحث علمي أنّ العوامل الجينية تلعب نحو 20% فقط من تقدم الإنسان في العمر، في حين تحظى العوامل البيئية الأخرى المحيطة بالإنسان بنسبة التأثير الأكبر.

هذا التطور في متوسط الأعمار عكس تقدم الرعاية الصحية في العالم والتطور الذي شهده في التكنولوجيا التي سهلت التشخيص والكشف المبكر ومكنت من تطور العلاج حتى بات معظمه يقام بواسطة شاشة صغيرة من دون جراحة. لكن في المقابل يواجه ذلك كثرة الفيروسات في السنوات الأخيرة وغلاء الاستشفاء.

مؤخراً، وُصفت الراهبة الفرنسية لوسيل راندون (أندريه) بأكبر معمرة في العالم، وقد توفيت منذ حوالي أسبوع ووثقتها موسوعة “غينيس” بأكبر شخص معمر في العالم بعد وفاة اليابانية كاين تاناكا عن 119 عاماً، تليها امرأة بولندية تبلغ من العمر 115 عاماً.

وعلى الرغم من كثرة تلك الحالات التي أصبحت تعمّر إلا أن الباحثين فضّلوا التزام مقاربة حذرة، اذ قالت مديرة البحوث في المعهد الوطني للدراسات السكانية فرانس ميليه انّه “على الرغم من الازدياد المطرد، لا تزال أعداد أفراد الأجيال الذين يبلغون أعماراً متقدمة للغاية محدودة جداً ولا يمكننا تالياً استخلاص تقديرات إحصائية ذات مغزى”.

وبناء على ذلك، يتعين الانتظار حتى يبلغ عدد الأشخاص فوق سن الـ 110 سنوات مستوى مرتفعاً بما يكفي لاستخلاص عبر يمكن البناء عليها، لكن لا يُستبعد دخول عوامل أخرى إلى المعادلة خلال السنوات المقبلة قد تطيل عمر البعض إلى 140 أو 150 عاماً.

شارك المقال