“فوضى”… غزو ثقافي لتجميل العدو!

نور فياض
نور فياض

ليست المرة الأولى التي تنتج فيها “نتفليكس” أفلاماً تدعم الرواية الاسرائيلية، ولكنها المرة الأولى التي يحتل فيها مسلسل إسرائيلي المرتبة الأولى في قائمة أفضل عروض تلفزيونية في لبنان.

“فوضى” مسلسل اسرائيلي – فلسطيني، من بطولة: هشام سليمان، شاد مرعي، لايتيتيا ايدو وليئور راز، يدور حول وحدة من القوات الخاصة في الجيش الاسرائيلي، تُسمَّى باللغة العبرية “مستعرفيم”، أي “مستعربين”، وتتألف من أفراد عسكريين يتخفّون كفلسطينيين عرب للتغلغل في المجتمع الفلسطيني بصفة مدنيين، وتوكَل إليهم مهمة جمع المعلومات، وخطف أو قتل الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال.

ويظهر المسلسل في أجزائه الأربعة، البطل الاسرائيلي “دورن” بأنه يتمتع بصفات إنسانية نبيلة، يحافظ على حرمة البيوت، لديه شهامة وأخلاق، ولا يقتل النساء والأطفال. بينما غفل الكاتب عن إظهار معاناة الشعب الفلسطيني الخاضع للإحتلال، وبيّن أيضاً العوائل الفلسطينية الرافضة لمنطق المقاومة والتصدي، مثل “أبو إبراهيم” الرافض أن تستعمل أرضه كمنصة لإطلاق الصواريخ، لذا اعتبر كثيرون أنه يحرّف الحقائق في محاولته القيام بمَحو فعليّ لأطول احتلال عسكري قائم في العالم من أذهان المشاهدين.

خلق “فوضى” حالة من الفوضى في صفوف المشاهدين، فمنهم من اعتبر أن كل مشاهد مطبّع، وآخرون رأوا أنه مسلسل كغيره فهو ليس اسرائيلياً مئة بالمئة، انما فيه ممثلون فلسطينيون، ومشاهدته هي لكسر الحشرية في معرفة محتواه.

هل تعتبر مشاهدة أفلام اسرائيلية جرماً؟

يوضح أحد المحامين أن “مجلس النواب اللبناني أقرّ في 23/6/1955، قانون مقاطعة اسرائيل الذي يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد، بالذات أو بالواسطة، اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أياً كانت طبيعته.”

ويشير الى أن “المادة 285 من قانون العقوبات اللبناني تتناول الصلات غير المشروعة مع العدو حيث يعاقب بالحبس سنة على الأقل وبغرامة مالية كل لبناني وكل شخص مقيم في لبنان أقدم أو حاول أن يقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على صفقة تجارية أو أي صفقة شراء أو بيع أو مقايضة مع أحد رعايا العدو أو مع شخص ساكن بلاد العدو. كما يعاقب بالعقوبة نفسها كل لبناني وكل شخص في لبنان من رعايا الدول العربية يدخل مباشرة أو بصورة غير مباشرة ومن دون موافقة الحكومة اللبنانية المسبقة بلاد العدو لأي سبب كان، وهذا الجرم ضمن فئة الجرائم التي يعود للمحاكم العسكرية النظر بها”.

ويؤكد عدم صدور أي قانون في لبنان يجرّم أو يعاقب من يشاهد أفلاماً اسرائيلية، “وبالتالي لا يعتبر المشاهد مطبّعاً أو ينشئ علاقة مع العدو في هذه الحالة.”

خلافاً لذلك، ومن وجهة نظر كل المدافعين الشرسين عن القضية الفلسطينية، يؤكد الناشط محمد علام لـ “لبنان الكبير” أن “المشاهد اللبناني يقول: شو وقفت عليي؟ ويتابع المسلسل من دون أن يجري أي عملية بحث عنه، والأول يخبر الثاني الذي بدوره يخبر الآخر… وهكذا يصل المسلسل الى ملايين الشعب العربي، بعدما كان غير معروف ويصبح تراند ويحصل على نسبة مشاهدة عالية”.

ويرى علام أن “كل من يشاهد مسلسل (فوضى) يكون قد ساهم في نشره وبالتالي يفيد الشركة المنتجة مادياً. اما اعلامياً، فهو يساهم في نشر أفكار من توقيع العدو، بمعنى آخر الأفكار التي يريد العدو زرعها في المجتمع الذي يجهل حقيقة تعامله مع الفلسطينيين”، معتبراً أن “خطورة هذا المسلسل في تأثيره على الأطفال، فبدل أن نربيهم على معرفة تاريخ سناء محيدلي، وجميع شهداء الوطن، والفلسطينيين، ننقل اليهم أفكار العدو عبر (فوضى) وبسبب صغر سنهم سترسخ في أذهانهم تلك الأفكار ويعتبرون أن العدو على حق.”

ويقول علام: “كل من يشاهد (فوضى) هو مطبّع من دون أن يعلم، أو ربما يعلم ولا مشكلة لديه.”

كانت اسرائيل ولا تزال تسعى الى نشر أفكارها وتغلغلها في المجتمعات كافة، ولكن محاولاتها باءت بالفشل. في كل جزء من مسلسل “فوضى” تتأكد أهمية الفن السابع في تكوين الرأي والتأثير على الشعوب. وفي كل حلقة منه يصبح القاتل بطلاً والخطأ بشرياً وليس مخططاً له. وبحسب المسلسل انهم أناس لديهم ضمير وبعد انساني وأي أخطاء تصبح ناجمة عن سوء تقدير فرد لا جماعة. فهل هذا المسلسل سيخلق غزواً ثقافياً ويكون باباً للتطبيع أو باباً لقبولهم لدى الجيل الجديد الذي تسعى اسرائيل الى تطبيقه مع العرب؟ أم أن القضية الفلسطينية ستبقى دائمة الانتصار؟

شارك المقال