الصدمة النفسية بعد الكوارث… تأثيرات قوية بسبب غياب الوعي

تالا الحريري

كالعادة عند وقوع أي حدث تتجه أنظار الناس والاعلام إليه وينسون أي معاناة كانوا يعيشونها. هذا ما حصل عند وقوع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في ظل فورة جائحة كورونا في العالم، غطى الاعلام لأيام الهجمات الروسية على أوكرانيا فيما أعرب الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عن تعاطفهم مع ضحايا الشعب الأوكراني وخوفهم على الجالية اللبنانية هناك، بينما الاصابات بكورونا تحلّق عالياً من دون أن يكترث لها أحد.

وتكرر الأمر مجدداً عندما ضرب الزلزال منذ يومين تركيا وسوريا وهز الدول المجاورة لبنان، فلسطين، الأردن وقبرص. اتجهت أنظار الرأي العام والاعلام الى هذه الكارثة المدمرة فيما كانت التغطية كاملة على مدار 24 ساعة، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات الناس ومواكبتهم لما حدث ونسوا همهم الاقتصادي والمعيشي ولم يعد يكترث أحد لتأرجح الدولار ولا لتسعير المنتجات به ولا للغلاء ولا لأي شيء آخر، باستثناء آثار الهزة وتداعياتها في أذهانهم.

يسيطر على الناس دائماً القلق في قضية معينة، إذ أنّ العقل يستوعب كارثة واحدة، فمصيبة كبيرة تنسيك المصائب الموجودة مهما كثرت، ويظهر هنا الوسواس أو الحالة النفسية التي يعيشها الشخص عند تعرضه لصدمة.

ونموذج على ذلك، الوسواس الذي يرافق اللبنانيين خوفاً من تكرار الهزة، فبعضهم بات لا ينام خشية تكرار هزة ارتدادية قوية وقد لا يتمكن من الهرب هذه المرة والسبب يعود الى الأبنية المتصدعة أو ذات البناء القديم، والبعض الآخر بات يتوتر لدى تحرك أي شيء، وهذا ما سبق أن عاشه اللبنانيون لحظة سماع دوي انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، لدرجة أن الرعد أو أي صوت يحدث فجأة يثير الرعب.

يعاني الأشخاص بعد تعرضهم للصدمة من اضطراب نفسي حاد (ASD)، وتتضمن أعراضه عادة الشعور بالخوف أو بالتوتر، استرجاع الذكريات أو التعرض لكوابيس أو مواجهة صعوبة في النوم أو غير ذلك. في حال استمرار الأعراض لدى الشخص لأطول من شهر، من المحتمل أنه يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) . وفي بعض الأحيان يتولد الوسواس القهري الذي ينتج عن حدوث تغيرات في وظائف المخ، أو وجود عوامل وراثية، أو التعرض لصدمة نفسية، وغيرها.

وعند مواجهة أي كارثة، من الممكن أن يتعرض المتضررون إلى زيادة في مشكلات الصحة العقلية المزمنة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب، ومثال على ذلك الدراسات التي توضح وجود اختلافات كبيرة في الأداء المعرفي ونشاط الدماغ لدى الأشخاص الذين تعرضوا لكارثة ما.

وتشرح الأستاذة الجامعية والمعالجة النفسية حنان مطر عبر “لبنان الكبير” أن “الأمور دائماً عندما تكون على عامة الناس وليس الفرد يكون تأثيرها أخف. والتأثيرات النفسية باتت قوية جدّاً لأسباب عدة أولها غياب الوعي في طريقة التعاطي مع الأمور المفاجئة لأن نسبة الجهل عالية جدّاً. ثانياً عدم قصد المعالج النفسي لأننا نعتبرها وصمة عار، إضافة إلى ذلك دور وسائل الاعلام وتضخيمها للأمور ما ينعكس سلباً على الأطفال والكبار وهذا ما يسبب أزمات نفسية، وغالبية الناس تكون لديها استعدادات للحالات النفسية لكن المواقف تفجّر أزمات أخرى، وبالتالي يكون لدى الناس استعداد ليتفجروا في حالة قلق أو هلع وهذا ما نراه مؤخراً بعد الهزة التي ضربت لبنان”.

وتشدد على وجوب “أن يعرف الأهل كيفية التعامل مع أولادهم ومع أنفسهم في هذه الظروف. نحن الآن في فترة الفعل الصادم لا يمكننا القول إنّ هذه آثار ما بعد الصدمة”.

وفي موضوع الوسواس، تقول مطر: “لدينا نوعان من الناس كون المجتمع اللبناني فيه تعدد للجنسيات. الشخص السوري الذي عايش الحروب يعيش التجربة نفسها، أمّا اللبناني فغير معتاد على الزلزال وكل شيء كان يراه في الاطار النظري. والشيء غير المعاش كتجربة تبقى وطأته أخف”.

شارك المقال