طرابلسيون بين خياريْن… إخلاء المباني المتهالكة أو الموت!

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يخفى على أحد الواقع الكارثي الذي يُواجهه عدد لا يُستهان به من المباني والمشاريع العقارية في مدينة طرابلس، فهذه العقارات التي يزيد عمر بعضها عن 30 عاماً وبعضها الآخر عن المائة عام نظراً الى قيمتها التاريخية والثقافية، معرّضة يومياً للتهديد لا سيما في زمن الهزات الارتدادية وحديث الخبراء الجيولوجيين عن كوارث طبيعية قريبة قد تضرب المنطقة، الأمر الذي دفع السكان من جهة كما المعنيين من جهة ثانية إلى التركيز على مصيرها الذي يبدو مظلماً في ظلّ الانهيار الاقتصادي والمالي الذي لا يقتصر على الفئة الشعبية فحسب، بل يمتدّ لضرب الدوائر الرسمية المسؤولة أيضاً.

وأحدثت عملية إخلاء مبنى جعارة وإيعالي في منطقة الزاهرية في الساعات الأخيرة، صدمة بين الطرابلسيين الذين لم ينسَ أيّ منهم بعد البلاغ الذي أصدرته البلدية منذ ما يُقارب الأسبوع بضرورة إخلاء مبنى الريداني في محلّة باب التبّانة، ما أحدث ضجّة كبيرة حينها بين عائلاته، التي قطعت الطرق مندّدة بالقرار البلدي الذي لم يُرافقه تحديد بديل أو مأوى يُسهّل عملية انتقالها، وهو القرار نفسه الذي صدر ليشمل أيضاً مبنى جعارة وإيعالي الذي لم يجد قاطنوه بديلاً يُغنيهم عن هذا المأوى الذي لجأوا إليه منذ أكثر من 38 عاماً ليُصدموا بفريق الدائرة الهندسيّة في البلدية الذي أنذرهم بضرورة إخلائه سريعاً، خوفاً من خطر الانهيار بسبب تصدّع أساساته وأعمدته، وهذا ما بدا واضحاً بعد كشف بعض أهالي المبنى على هذه الأساسات بأنفسهم، وبدت حرفياً مخيفة ومقلقة نظراً الى هشاشتها وتصدّعها.

ويؤكد أحد السكان أنّ الأزمة التي يُواجهها المبنى ليست بجديدة وتُعدّ مشكلة عامّة طرابلسياً، فهي موجودة في التبانة، الزاهرية، القبّة، ضهر المغر، المنكوبين وغيرها من المناطق التي يقطن الكثير من أبنائها في أبنية تراثية لم تتلق أيّ دعم أو إصلاح منذ سنوات.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “المشكلة الحقيقية تكمن في مياه الأمطار وقساطل المياه التي تُؤدّي بتراكماتها وتصدّعاتها إلى تراكم المياه والرطوبة في طابقين أسفل المدخل الرئيس، ومن يدخل اليوم ليرصد أساسات المبنى يجد أنّ عدداً كبيراً من الباطون والأعمدة متشقق ويُشبه إلى حدّ كبير السكّر أو التراب عند لمسه، فلم تشهد المدينة أساساً سقوط أمطار منذ أسابيع، ولكن بعد رصدنا المكان وجدنا طقساً ممطراً وعاصفاً أسفل هذا المبنى الضعيف”.

ويشير الى “أنّنا كنّا قد طالبنا منذ العام 2010 بمشروع لاصلاح القساطل والحدّ من التسرّب، لكن يُمكن القول إنّ الإهمال أدّى الى أن يكون 70 أو 80 بالمائة من المبنى متهالكاً، وقد ظهرت هذه النتيجة جلياً بعد الهزّة الأرضية القوية التي دفعت بدورها ببعض القوى المسؤولة الى الكشف عن المباني في طرابلس”.

ويُضيف: “يُوضح الكشف أنّ عدداً من الأعمدة لا يزال متيناً نظراً الى عدم وصول المياه إليه، فيما تحتاج أعمدة أخرى إلى ترميم مباشر وسريع وتهوية عاجلة لننقذ ما يُمكن إنقاذه وهذا ما يحدث حالياً، لكن المعضلة تبقى اجتماعية من جهة، ومادية من جهة ثانية، فمن الناحية الاجتماعية خرجت 25 عائلة أكثرها من المالكين، لأنّ معظم السكّان منهم، واتجهت إلى منازل الأقرباء والمعارف، ما أحدث عبئاً لا يُمكن أن يتحمّله إنسان في هذه الظروف القاسية، وهو ما يدفعهم إلى التفكير بالعودة إلى المبنى مهما كلّفهم الأمر، فالذلّ صعب جداً والخوف من الموت أكثر ما يُصعّب القرار أساساً. أمّا من الناحية المادية وبعد كشف نقابة المهندسين والهيئة العليا للاغاثة مع البلدية على المبنى، فكلّ هذه الجهات أكدت احتمالية السقوط، لكن يُمكن المعالجة العاجلة حسب معلوماتنا، ولكن إذا تحدّثنا عن الترميم فهذا يحتاج إلى دعم ماديّ غائب أساساً”.

وإذْ يعتبر أنّ المبنى الذي شيّد في العام 1986 بات قديماً ويحتاج إلى كلّ الدعم، يُشدّد على أنّ 5 عائلات لم تغادره، بل تسعى الى كيفية إيجاد حلّ مادي يُسهم في إنقاذها وإبعاد شبح الإخلاء عنها، خصوصاً وأنّ كلّ طابق من الطبقات العشر يتضمّن ثلاث شقق سكنية ما يُشير إلى حجم الكارثة الانسانية في حال غادر السكان أو ظلوا في المبنى، “فمعظم القاطنين من الموظفين البسيطين والمياومين، أمّا المستأجرون فيُلوّحون بالمغادرة لكنّهم يخشون الغلاء العقاري خارج المبنى الذي يقع في مركز استراتيجي في المدينة ومن يسكن فيه لا يرغب في الابتعاد عنه”.

ووفق معطيات “لبنان الكبير”، فإنّ عائلات مختلفة من طرابلس والتي كانت قد تلقّت بلاغاً بضرورة الاخلاء توجهت إلى البلدية للاعتراض والتحدّث عن الحلول حول أهمّية إيجاد بديل يعوّض لها خسارتها ولو مؤقتاً، لكن “البلدية كانت تُؤكّد لهم أنّ لا أموال متوافرة للقيام بهذه الخطوة”.

شارك المقال