رحيل “أم البطل” شريفة فاضل

زياد سامي عيتاني

“إبني حبيبي يا نور عيني بيضربوا بيك المثل… كل الحبايب بتهنيني طبعاً ما أنا أم البطل”….

رحلت “أم البطل” المطربة شريفة فاضل، صاحبة هذه الكلمات التي نسجتها بالدم والدموع، في أغنية من أشهر وأصدق أغاني الحرب التي رسخت في وجداننا، ولمست قلوب أجيال معبّرة عن مشاعر أمهات الأبطال، فكانت أصدق ما سمعناه ورددناه عن “أم البطل”.

رحلة تألق ونجومية وحزن وألم وفراق ومسيرة حياة كانت فيها سلطانة الطرب تجلس على عرش الشهرة والنجومية، سمع غناءها الملوك والأمراء والرؤساء، كما استحوذت على قلوب البسطاء.

ولدت شريفة فاضل في القاهرة في الثلاثينيات باسم فوقية محمود أحمد ندا، وكان لوالدتها دور أساس في دعمها فنياً في ظل معارضة والدها خوضها هذا المجال، والتحقت بمعهد التمثيل، لكنها لم تكمل دراستها فيه.

ظهرت للمرة الأولى على الشاشة في فيلم “الأب” عام 1947، وعملت فترة قصيرة في الاذاعة مع الاعلامي الشهير بابا شارو، قبل أن تتزوج من الفنان السيد بدير الذي أخرج لها فيلماً واحداً قبل أن ينفصلا.

قدم لها الموسيقار محمد الموجي أولى أغنياتها “أمانة ما تسهرني يا بكرة”، التي كانت ذات طابع عاطفي، لكنها تميزت لاحقاً في القالب الشعبي الذي فتح لها أبواب الشهرة. وتعاونت بصورة وثيقة مع الملحن والمغني منير مراد، الذي قدم لها مجموعة كبيرة من أنجح أغانيها، مثل “حارة السقايين” و”فلاح” و”الشيخ مسعود” و”الليل” و”آه من الصبر”، كما تعاونت مع كبار الملحنين أمثال رياض السنباطي وبليغ حمدي وسيد مكاوي ومحمود الشريف.

وأسست مسرح منوعات شهيراً في شارع الهرم، وقدمت حفلات غنائية في العديد من البلدان العربية منها تونس ولبنان والكويت. وشاركت في عدد من الأفلام السينمائية منها “حارة السقايين” و”سلطانة الطرب” و”تل العقارب”، كما قدمت بعض المسرحيات الغنائية.

الفنانة الراحلة أهدت الوطن أغلى ما تملك ومنحته قطعة من قلبها فهي “أم البطل” الشهيد سيد السيد بدير الذي استشهد فى حرب الاستنزاف، فغنت أمه لأمهات الأبطال بدمها ودموعها لتشد من عزائمهن ومن عزائم الأبطال المحاربين بأغنيتها الشهيرة حين تحقق النصر.

وفي تفاصيل الأغنية، أن شريفة أصيبت بصدمة شديدة بعد إستشهاد إبنها، الذي كان أول فرحتها، فتوقفت عن الغناء بعدها، ولكنها عادت اليه عندما إنتصرت مصر في حرب أكتوبر.

وقالت يومها: “فرحت لما إنتصرنا في أكتوبر وطلبت من صديقتي الشاعرة نبيلة قنديل أن تكتب أغنية عن أم البطل المقاتل، علشان كل أمهات الأبطال اللي إستشهدوا واللي إنتصروا، ونبيلة قعدت في غرفة إبني الشهيد نص ساعة، وخرجت ومعها كلمات أغنية (أم البطل)، وبكيت وأغمي عليا لما سمعت الكلمات، وبعدها طلبت من الملحن علي إسماعيل تلحينها وذهبت إلى الاذاعة لتسجيلها”.

أضافت: “كلمات الأغنية كانت صعبة عليا، وتأثرت وأغمي عليا أكتر من مرة وأنا بغنيها، لدرجة إن فايزة أحمد قالتلي طالما مش قادرة تغنيها بلاش، لكن أصريت وسجلتها في يوم واحد، وكنت دايماً بغنيها آخر أغنية في الحفلات علشان ما بقدرش أغني بعدها”.

نذكر في هذا المجال أن “أم البطل” أصيبت بنزيف في الشرايين أثناء غناء الأغنية في إحدى الحفلات، وتوقفت فترة عن الغناء، ثم عادت من جديد.

يبقى السر في صدق هذه الأغنية وبقائها، أنها لم تكن مجرد كلمات جميلة كتبتها شاعرة كبيرة مثل نبيلة قنديل أو لحنها ملحن عبقري بحجم علي اسماعيل، وغنتها مطربة كبيرة بحجم “سلطانة الطرب” شريفة فاضل، ولكن السر أن هذه الكلمات تعبّر عن تجربة ومشاعر حقيقية عبّرت فيها “أم البطل” التي قدمت إبنها فداء للوطن، عن مشاعر كل أمهات الجنود الأبطال وفرحتهن بالنصر حتى وإن كان ثمن هذا النصر دماء أبنائهن الطاهرة.

شارك المقال