أطفال فقدوا ذويهم فجأة… كيف نعالجهم نفسياً؟

ليال نصر
ليال نصر

الحوادث الصادمة كالكوارث الطبيعيّة والحروب وغيرها من أسباب تفقد الأطفال كنف عائلاتهم بصورة مفاجئة، تؤثر كثيراً عليهم، ويتفاوت هذا التأثير بين طفل وآخر بحسب بنيته النفسيّة وبيئته العائليّة التي كان يعيش فيها قبل الصدمة. ومما لا شك فيه أن الصدمات ووقع الموت وخسارة شخص أو أكثر من الأسرة، له أثر كبير على حياة الأفراد الراشدين، فما بالنا بالأطفال القاصرين؟ وماذا عن التأثير النفسي للحوادث المفاجئة على اختلاف أنواعها عليهم؟ وكيف نتعامل مع الأطفال الذين تعرضوا لحوادث كهذه؟

توضح رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان أميرة سكر لموقع “لبنان الكبير” أن آثار هذا الفقد ترتبط بصورة مباشرة بقرب الطفل من الشخص المتوفى وعلاقته به وتأثيره عليه وعلى استقراره النفسي، فكلما كان الطفل متعلقاً به، كلما زادت حاجته الى المزيد من الحنان والاهتمام والاطمئنان، لافتة الى أنه لدى حدوث الكوارث الطبيعية المفاجئة كما في الزلزالين الأخيرين في تركيا وسوريا، يترافق مع الخوف الناجم عن الاهتزازات والارتدادات والدمار، فقدان أفراد العائلة، وقد شاهدنا الكثير من الأطفال الناجين أثناء الزلزال ممن فقدوا ذويهم وكل ما يملكون.

ويقول المعالج والمحلل النفسي إيلي أبو شقرا لموقع “لبنان الكبير”: “إن الصدمة عند الأطفال الناجين تظهر من خلال عوارض عدة هي: القلق والخوف، الضعف العام والارتباك، الشعور بالحزن والكآبة، الغضب والعدوانية، النوم السيء والكوابيس، الانسحاب الاجتماعي، والصداع والغثيان والشعور بالدوار”.

نموذجان من تركيا وسوريا

قضت عائلة سورية نازحة إلى كهرمان مرعش في جنوب تركيا، في زلزال السادس من شباط الماضي، باستثناء رضيعة عمرها 40 يوماً، بقيت عالقة في حضن والدتها المتوفاة لثماني ساعات تحت الأنقاض، ثم انتشلت سالمة بعد ذلك.

ماسا هو اسم الرضيعة اليتيمة، إنهار منزلها وفقدت أمها وأشقاءها خلال الواقعة، وأخرجت حيّة من تحت الركام بعد ثماني ساعات.

وفي مقابلة أجراها نوينر فاتح مقدم برنامج “رووداوي أمرو – حدث اليوم” على شاشة “رووداو”،  قال جدّ ماسا البالغ من العمر 50 عاماً، إنه فقد خمسة من عائلته في الهزة الأرضية (ابنه، زوجة ابنه وثلاثة من أحفاده)، ولم تبق له سوى ماسا التي لم تأخذ سوى حليب والدتها سابقاً، وترفض تناول أي شيء منذ أيام.

كذلك، وجد جد الطفلة التركية زهرة التي لم تكن قد تجاوزت الستة أشهر عند حدوث الزلزال، حفيدته التي بكت لمدة يومين ونصف اليوم من دون توقف. وطلب جدّها، الذي لم يكن يعرف كمّ الحجارة الذي كان على ظهره من المنقذين أن ينقذوها واعتقد أنهم سيبقونها قريبة ريثما يخرج، لكن أحدهم أعطاها إلى هيئة الكوارث والطوارئ (أفاد).

فقدت زهرة عائلتها بعد انتشالها وحدها من تحت الأنقاض بعد عمليات بحث مضنية وتحليل الحمض النووي، ولم يبق لها سوى جدّها الذي كان ينتظر بفارغ الصبر نتيجة التحليل. كانت ترضع حليب والدتها والآن يعطونها الرضاعة لكنها لا تقبلها ولا تشبع، وقد أخذها جدّها إلى الطبيب فقال له إنها سالمة لكنها تعاني الجوع لأنها ترفض أن تأخذ أي شيء.

من هنا، تجدر الاشارة إلى أهمية معرفة وإدراك كيفية التعاطي مع هؤلاء الأطفال وغيرهم الكثير من الحالات التي كانت تعيش بأمان مع عائلاتها وفجأة بدأت تعاني شتى أنواع الفقد.

أساليب التعامل مع فاقدي العائلة

آلاف الأطفال، الرضّع منهم والأحداث، فقدوا كنف العائلة بعد الزلازل والهزات المتتالية، فكيف يجدر بالمعنيين من دور إيواء وجمعيات أهلية ومنظمات دولية التعامل مع أولئك الذين أصبحوا فجأةً أيتاماً؟

تشدد سكر على أنه “يتوجب على الدولة بصورة مباشرة حماية هؤلاء الأطفال من كل أنواع الانتهاكات التي قد تطالهم، وبدايةً احتضانهم ورعايتهم والحفاظ على صحتهم النفسية من خلال قيام المسعفين النفسيين بمدّهم وإعطائهم حاجتهم إلى الاسعافات الأولية النفسية لما بعد الصدمة للخروج النفسي منها. فالحدث يتلقى الصدمة بحسب قربه وعلاقته بالمتوفى، قد لا يكون قريباً له بصورة مباشرة ولا يعني له أي أمر، وقد يكون قريباً له ومؤثراً به، وبالتالي يشعر القاصر بعدم الأمان والخوف وعدم الاستقرار. هنا يجب احتضان الطفل وتقديم الدعم له وشرح ما حدث كي يفهم أولاً معنى الموت والفقدان، ثم مساعدته على استيعاب ذلك وتأمين حاجاته المختلفة”.

أما أبو شقرا فيؤكد أنه “يجب الحفاظ على بيئة آمنة ومستقرة للأطفال وتوفير الدعم العاطفي والنفسي لهم، بما في ذلك الحديث معهم وتقديم الراحة والاستقرار والمعلومات الصحيحة والواضحة عن الكارثة بما يتناسب مع مستوى فهمهم وتوفير النشاطات التي تعزز الاستقرار النفسي والجسدي، مثل الرياضة والألعاب والرسم والموسيقى والحفاظ على نمط حياة طبيعي قدر الامكان، بما في ذلك النوم والتغذية السليمة والأنشطة الاجتماعية”.

من المسؤول عن ذلك؟

يقول أبو شقرا: “إن هذا كله من شأن منظمات الاغاثة، التي تقدّر حجم الضرر النفسي وتساعد على تأمين مساحة انتقاليّة آمنة بين ما قبل الكارثة وما بعدها”. فيما تحمّل سكّر المسؤولية للدولة أولاً وأخيراً، منبّهة على خطر عدم المتابعة في هذه الحالات الهشة، إذ يمكن بسهولة اختطاف الأطفال وبيعهم والإتجار بهم في الكوارث كافة. لذا على الدولة والمعنيين الإنتباه الى هذه الأمور لتفادي ذلك، وتشديد الرقابة أثناء تسلم الأطفال الناجين من الكوارث.

شارك المقال